شبهات وهمية حول سفر يشوع 2
قال المعترض: «جاء في يشوع 8:3-9 أن يشوع جنَّد 30 ألف رجلاً، ولكنه يقول في آية 12 إنه أخذ نحو خمسة آلاف رجل».
وللرد نقول: الفرق في العدد يرجع إلى أنه أقام كمينين، يختلف كلٌّ منهما عن الآخر. لقد جنَّد ثلاثين ألفاً، ثم أعدَّ خمسة آلاف رجل آخر يكمنون غرب عاي.
قال المعترض: »جاء في يشوع 8:28 »وأحرق يشوع عاي وجعلها تلاً أبدياً، خراباً إلى هذا اليوم«. ولكن جاء في نحميا 7:32 »رجال بيت إيل وعاي مئة وثلاثة وعشرون«. وهذا يعني أن مدينة عاي كانت مأهولة، وهذا تناقض«.
وللرد نقول: عبارة »خراباً أبدياً إلى هذا اليوم« تعني إلى يوم كتابة يشوع سفره. وقد مضت قرون بين يشوع ونحميا قام فيها جيل من الناس بتعمير مدينة عاي.
قال المعترض: «جاء في يشوع 8:28 أن عاي أُخربت تماماً. لكن نحميا 7:32 يقول إنها كانت عامرة بالسكان».
وللرد نقول: انظر تعليقنا على نحميا 7:32.
قال المعترض: «جاء في يشوع 8:28 «وأحرق يشوع عاي وجعلها تلاً أبدياً، وخراباً إلى هذا اليوم». فهل يوافق الله على الشدّة المتناهية التي تعارض قوانين الرحمة؟».
وللرد نقول: (1) تمَّ تخريب عاي بالنار بحسب العادات القديمة في معاملة الأمم المغلوبة، فقد كانت القسوة بربرية مخيفة في معاملة المغلوبين. ولو ذكرنا ما فعله يشوع لاعتبرناه من عمل الرحمة!
(2) كان أهل عاي أشراراً جداً، فكان لا بد من وقوعهم تحت القصاص الإلهي. لقد حذَّر الله أهل عاي الكنعانيين قبل هذا الحادث بأربع مئة سنة من أجرة الخطية عندما أحرق سدوم وعمورة، ولكنهم لم يتوبوا.
(3) كان قصد الله أن يطهّر البلاد من عُبَّاد الوثن قبل إقامة شعبه فيها، حتى لا يضللوهم بعبادة الأوثان. صحيح أن بني إسرائيل فشلوا في اتِّباع شريعة الله الصالحة، لكن الله جهَّز لهم كل ما يساعدهم على طاعة شريعته.
قال المعترض: »جاء في يشوع 8:30 أن يشوع بنى مذبحاً للرب في جبل عيبال، مع أن آياتٍ توراتيةً كثيرة تدين بناء أماكن عبادة على المرتفعات، مثل إدانة الملك يربعام بناء »بيت المرتفعات« كما في 1ملوك 12:31، ومثل انتقاد الملك الصالح آسا والقول عنه »وأما المرتفعات فلم تُنزَع، إلا أن قلب آسا كان كاملاً مع الرب كل أيامه« (1ملوك 15:14).
وللرد نقول: لم تكن الإدانة على بناء أماكن عبادة للرب فوق التلال والمرتفعات، بل على العبادة الوثنية على التلال والجبال. بل إن موسى أمر بني إسرائيل في تثنية 27:2-8 أن يبنوا مذبحاً للرب على جبل عيبال.
قال المعترض: «يؤخذ من يشوع 10:1-11 أن بني إسرائيل لما قتلوا ملك أورشليم استولوا على مملكته، ولكن يُفهم من 15:63 أنهم لم يستولوا على أورشليم».
وللرد نقول: مع أن بني إسرائيل هزموا ملوك تلك الجهات واستولوا على معظم ممالكهم، إلا أنهم عجزوا عن الاستيلاء على بعض حصون أورشليم، إلى أن مَلك داود النبي وأخذ تلك الحصون.
قال المعترض: «ورد في يشوع 10:13 »فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه. أليس هذا مكتوباً في سفر ياشر؟«. وهذه الآية لا تكون من كلام يشوع، لأنها منقولة من سفر ياشر، ولا يُعرف متى كُتب. إلا أنه يظهر من 2صموئيل 1:18 أنه يكون معاصراً لداود. وقال المفسران المسيحيان هنري وأسكوت على يشوع 15:63 إن كتاب يشوع كُتب قبل بضع سنين من حكم داود، مع أن داود وُلد بعد موت يشوع بنحو 358 سنة، وإن الآية 10:15 زائدة».
وللرد نقول: استشهاد يشوع بكتاب ياشر لا يدل على أن هذا الأصحاح ليس من كلامه، وكتاب ياشر هذا هو (كما قال المؤرخ اليهودي يوسيفوس) يشتمل على تواريخ الحوادث التي حصلت لبني إسرائيل من سنة إلى أخرى، ولا سيما وقوف الشمس. ويشتمل أيضاً على أساليب الحروب (كما يُعلم من 2صموئيل 1:18). فلم يكن من الكتب الموحى بها، بل هو تاريخٌ، كتبه أحد المؤرخين الذي شاهد حوادث عصره، فاستحق أن يُسمى ياشر أو المستقيم، لأن ما كتبه كان مطابقاً للواقع، وحافظ عليه بنو إسرائيل ووضعوه في الهيكل.
أما قوله إنه يظهر من 2صموئيل 1:18 أن مؤلف كتاب ياشر (يشوع 10:13) كان معاصراً لداود، فنورد النصّ: «وقال (داود) أن يتعلم بنو يهوذا نشيد القوس، هوذا ذلك مكتوب في سفر ياشر». فهذا لا يدل على أن مؤلفه كان معاصراً لداود، بل على أن هذا الكتاب كان موجوداً في عصر داود، وأن مؤلفه من القدماء المتقدمين الذين يُستشهد بأقوالهم.
أما عبارة المفسرين المسيحيين هنري وأسكوت فقد اقتبسها المعترض مبتورة وترك المهم منها، فإنهما قالا إن يشوع استولى على أغلب مدن اليبوسيين، غير أن حصن أورشليم بقي في يد اليبوسيين. ويوجد فرق بين انهزام ملك في موقعة حربية وبين سقوط عاصمته، فبنو
إسرائيل استولوا على بلاد اليبوسيين ثم استرجعها اليبوسيون ثانية، ثم طردهم بنو إسرائيل بعد موت يشوع (القضاة 1:
. فكان حصن صهيون في يد اليبوسيين إلى حكم داود، حتى أخذه داود منهم (2صموئيل 5:6-
.
وقال المفسران المسيحيان هنري وأسكوت: «يتَّضح من 2صموئيل 5:6-8 أن كتاب يشوع كُتب قبل حكم داود بسبع سنين«. فالمقصود هو أن هذا الكتاب كتب قبل أن يقوم ملك على إسرائيل، بدليل أن اليبوسيين كانوا ساكنين مع بني يهوذا. والأدلة على أن كاتب هذا السفر هو يشوع إجماع بني إسرائيل على ذلك، ثم أننا نجد ذلك في السفر نفسه، فقد ورد في يشوع 24:26 «وكتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله». وفي الآيات 1:1 و3:7 و4:1 و5:2 و9 و6:2 و7:10 و8:1 و10:8 و11:6 و13:1 و20:1 و24:2 يذكر يشوع الأقوال التي كلَّمه بها الرب. ونجد في أصحاحي 23 و24 خطاب يشوع قبل موته، فقد جمع قادة بني إسرائيل وقضاتهم وعرفاءهم، ثم خطب فيهم.
وكان يشوع الرجل اللائق لتدوين الحوادث المذكورة في هذا السفر، لأنها حصلت على يده، وقد نهج على منوال أستاذه موسى في تدوين الحوادث، ونَفَس هذا الكتاب هو مثل نَفَس شريعة موسى، وقد كان يشوع خادماً خصوصياً لموسى، فأخذ من نَفَسه وروحه. وقد أشار يشوع في أصحاح 5:1 أنه كان أحد الذين عبروا إلى كنعان.
قال المعترض: «جاء في يشوع 10:15 و43 أن بني إسرائيل رجعوا إلى الجلجال بعد وقوف الشمس وهزيمة الأموريين. ولكن جاء في ذات الأصحاح والآية 21 أنهم رجعوا إلى مقِّيدة».
وللرد نقول: ما جاء في يشوع 10:15 جزء من الاقتباس المأخوذ من سفر ياشر، والذي يبدأ من آية 12-15. وفي آية 21 نقرأ عن رجوع بني إسرائيل إلى المعسكر المؤقت في مقِّيدة، وبعد ذلك رجعوا إلى الجلجال.
قال المعترض: «جاء في يشوع 10:42 أن بلاد الكنعانيين خضعت لبني إسرائيل دفعة واحدة، بينما يقول في يشوع 11:18 إن ذلك استغرق أياماً كثيرة».
وللرد نقول: خضوع بلاد الكنعانيين لبني إسرائيل خاص بغزو الجزء الجنوبي من فلسطين، والذي تم في معركة واحدة، لا بد أنها استغرقت أياماً. أما الذي استغرق إخضاعه أياماً كثيرة فهو الجزء الشمالي.
يتبع