بقلم هدرا الأسواني
هذه القصة من وحي الخيال
نادين هو إسمي، نشأت في أسرة مقبولة الحال، لي أخ واحد يكبرني بست سنوات، والدي ووالدتي يتعاملان معنا كأصدقاء فلا أتذكر أنهما أجبرانا على شئ، كانت علاقتنا بالكنيسة علاقة جيدة، فقد كنت أذهب للكنيسة بإستمرار سواء لحضور القداسات يوم الجمعة، أو لمدارس الأحد يوم الخميس.
بدأت أحداث قصتي عندما كنت في المرحلة الإعدادية، تلك المرحلة التى تبدأ فيها كل فتاه بالتغير نفسيا وجسديا وتبدأ بالمرور في المرحلة الوسطية بين الطفلة والأنثى، كانت علاقتي بالشباب في الكنيسة علاقة أخوية، فلا أتذكر أن أحد شباب الكنيسة قد تعامل معي على أني فتاه بل عادة كان التعامل يتم على أننا أخوة سويا، لكن الحال كان يختلف بمجرد خروجي من باب الكنيسة متوجهة للمنزل، فكان هناك شباب يقف دائما خارج الكنيسة
، يلقي بالنظرات لكل من تدخل أو تخرج، وأشعر بالنظرات وهي تطاردني وأحيانا بعض الكلمات التى تطري على أنوثتي التي بدأت تظهر.
لا أخفيكم سرا أن تلك الكلمات كانت تضايقني إلا أنها كانت تحرك شيئا ما بداخلي، لكنني كنت أطرد تلك الأفكار سريعا من رأسي خصوصا بعد تحذيرات صديقتي المقربة لي وهي أمي.
مرت سنوات وصرت شابة وإلتحقت بأول سنواتي في الجامعه، ولا تزال علاقتي بشباب الكنيسة علاقة أخوية، أشعر وأنا معهم بأنني لا أزال طفلة الأمس، بينما يتغير شعوري بمجرد خروجي للشارع فالنظرات تلاحقني والكلمات تلقى في أذني لأشعر بأني إمرأة ولم أعد طفلة بعد.
بعد مرور شهرين لي في دراستي الجامعية وأثناء عودتي للمنزل، وجدت سيارة تتوقف أمامي تعرفت عليها سريعا، إنها سيارة خالد جارنا في نفس العمارة، ألقى التحية وطلب مني أن يوصلني معه بسيارته، شكرته بالطبع لكنه قال لي أنه ذاهب للمنزل وطريقنا واحد.
كانت أسرة خالد تقطن في الشقة التى أمامنا، وهم أسرة مسلمة طيبة، لم تحدث أى مشاكل بيننا من قبل وكنا نتزاور في المناسبات الدينية، وكان مستواهم المادي أعلى منا قليلا فخالد إبنهم الأكبر كان يمتلك سيارة صغيرة، وكان خالد شابا مؤدبا يكبرني بثلاث سنوات وكان في السنة الرابعة بأحدى الكليات النظرية في نفس الجامعة التى أدرس بها في كلية عملية.
ركبت بجوار خالد وأوصلني للمنزل، ورويت ذلك أمام أبي وأمي فلم اجد منهما ممانعة، بل دعت أمي لخالد بالنجاح لأنه رحمني من زجام المواصلات.
أصبحت هذه التوصيلة عادة كل يوم ثلاثاء، حيث يتصادف دائما موعد عودته معي فكان يأخذني في طريقه للمنزل، حتى أنني أصبحت أنتظر قليلا يوم الثلاثاء لو تأخر خالد حتى أذهب معه للمنزل.
لن أطيل عليكم، بعد عدة أسابيع بدأت تتطور العلاقة بيني وبين خالد، وبدأ يترك بعض المحاضرات في أيام أخري ليوصلني للمنزل أو ينتظر خروجي ويتأخر خصيصا لي، ووجدت نفسي وقد بدات أخفي عن أهلى أنني أركب مع خالد السيارة في أيام أخرى غير يوم الثلاثاء، ولم يمض الكثير من الوقت حتي بدأت هذه العلاقة تأخذ طابعا أخر، أحسست بقلبي يخفق تجاه خالد خاصة بعد ما كنت أسمعه من صديقاتي عن الحب، وخفق قلبه أيضا لي وصارحني بحبه.
في تلك الفترة فترت علاقتي بالكنيسة قليلا، ووجدت نفسي وقد بدأت أخفي مشاعري عن والدي ولا أبوح بها بعدما كنت صفحة بيضاء امامهما، وبدأ الحديث بيني وبين خالد يأخذ طابها أخر كحوار بين عشاق وأحلام بمستقبل وردي وحياة سعيدة بعدما سبق وأن تناقشنا في إختلاف ديانتنا وأكد لي بأنه لا يهمه عقيدتى وأن القانون يسمح بأن يتزوجني ونحيا بطريقة شرعية.
ما كان يؤرقني هو رد فعل أسرتي، فهم لم يعاملوني بطريقة سيئة لأوجه لهم صدمة، بينما أخبرني خالد بأنه فاتح أسرته بالأمر وأنهم رحبوا كثيرا بهذه الزيجة، وأنهم يطرون على أخلاقي، وعندما فاتحته في أمر أسرتي أخبرني بأنه على إستعداد أن يتقدم لهم رسميا وأن يأتي بوالده ووالدته، وهذا ما حدث فعلا.
كان قلبي يخفق سريعا وأنا أتواري خلف أبواب حجرتي أحاول أن أستمع للنقاش الدائر فى الصالة حيث كان خالد برفقة أسرته يفاتحون والدي في الأمر، توقعت أن أستمع لأصوات عالية أو غضب ولكن كل هذا لم يحدث، وإزدادت خفقات قلبي عندما سمعت باب شقتنا وهو يغلق إيذانا بمغادرة الضيوف فقد علمت أن وقت المواجهة قد حان.
دخلت والدتي الحجرة وأنا لا اقوي على النظر لوجهها وقالت لي بصوت خفيض يبدو عليه الضيق أن والدي يريد الحديث معي، ثم تركت باب حجرتي مفتوحا وخرجت لأتبعها بعد دقيقة وأنا في قمة إضطراب مشاعري ما بين شعوري بالفرحة لعدم وجود رفض صريح من أسرتي وما بين شعوري بالخوف من الصمت الذى يسبق العاصفة.
جلست أمام والدي ودار بيننا هذا الحوار الذى ما أزال أتذكره جيدا
- خالد طالب إيدك.
* (وأنا مطرقة وجهي في الأرض) أيوة يا بابا .. انا عارفة.
- ورأيك إيه؟
* هو كان فاتحني في الموضوع ده .. لكن الرأى الأول والأخير ليك.
- أنا عاوز أعرف رأيك إنتي؟
* إحنا نعرف عيلتهم من زمان وهم ناس كويسين وخالد شاب أخلاقه كويسة ومستقبله كويس.
- يعنى موافقه.
أطرقت في الأرض وصمت ليعرف أبي أن السكوت علامة الرضا، وكانت فرحتي لا تسعها فرحة لأن أبي يبدو موافقا، لكنه سارع بكلمات جعلت عقلي يعمل في مقابل قلبي
- إنتي عارفة إننا عمرنا ما غصبناكي على حاجة، لكن الحرية لازم تكون حرية مسؤلة من غير إندفاع ورا العواطف وبس لكن العقل مع العاطفة ... إنتي متأكده إن خالد بيحبك؟
* (في حياء) أيوة يا بابا متأكده.
- ومستعد يضحي بكل حاجة علشانك؟
* أنا ما سألتوش، لكن أنا عارفة إنه بيحبني ومستعد يعمل أى حاجة علشاني.
- قوليله يغير ديانته ويبقي مسيحي علشان يتجوزك.
نزلت على هذه العبارة كالصاعقة، فأنا أعرف أن هذا صعب جدا في مجتمعنا، كما أن الإنسان لا يسهل أن يكون مسيحيا، فالمسيحية إيمان وليست كلمات تقال فبصير الشخص مسيحيا، لكن جملة والدى جعلتنى أتوقف لحظات لأفكر في رد مناسب أقوله
* لكن يا بابا هو ما طلبش مني أكون مسلمة، هو بيحبني مسيحية وأنا حأفضل طول عمري مسيحية، وحنتجوز وكل واحد يبقى على دينه.
- يا بنتي حاولي تفهميني، أنا سألتك عن إستعداده للتضحية علشانك، هل هو مستعد لنفس التضحية اللى إنتي حتقدميها له؟
عاجلت والدي قائلة وعلامات التعجب تبدو على وجهي
* أى تضحية يا بابا ... هو ما طلبش مني أى تضحيات.
قال والدي مبتسما وهو ينظر لي
- مين قال إنك مش حتضحي؟؟ ... إنت عارفة إن جوازنا هو بالروح القدس، وبدون روح قدس فهو زنى، يعني إنتي حتقبلي على نفسك ده وتبقي مش بتضحي علشانه؟
كانت كلمات والدي لي كالصدمة التي أذبلت فرحتي سريعا، هل سيكون زواجي بخالد زني؟؟ هل سأكون في نظر أسرتي زانية؟ هل سأعتبر بالنسبة للمسيح زانية؟
* لكن يا بابا أنا مش حأعمل أى حاجة غلط، ده جواز ... جواز شرعي وحقيقي.
- جواز في شرع مين يا بنتي ... في شرعه هو وفي شرع الدوله، لكن في شرعك إنتي مش جواز ... في شرعك إنتي دى معاشرة محرمة ... عرفتي إنتي حتضحي بإيه.
قام والدي واقفا وهو ينهي الحديث ويترك البقية لعقلي قائلا
- يا بنتي إحنا عمرنا ما حنغصبك علي حاجة، فكري في الكلام اللي قلتهولك، وخدي وقتك في التفكير.
تركني والدي وقد وضع أمام عيناي حقيقة لم أكن أراها، كنت أعتقد أن زواجي بخالد رسميا هو أمر مشروع، لكني فكرت في مشروعيته من تجاه المجتمع، وهو فكر في مشروعيته من تجاه ديانته، لكن ماذا عن مشروعيته تجاه ديانتي، هل حقا أصير زانية بهذا الزواج؟
لم أنم طوال الليل بينما عقلي يفكر في حديث والدي، وفهمت الأن لماذا طلب مني أن أطلب من خالد أن يترك الإسلام ويعتنق المسيحية، هل خالد على إستعداد أن يفعل ما تراه ديانته محرما من أجلي كما يطلب مني، أم أن أنا وحدي من سأفعل محرما في ديانتي من أجل حبي؟
في اليوم التالي قابلت خالد وكان وجهه متهللا سعيدا بمقابلته أمس لعائلتي، فوالدي قال لهم أن الرأى الأول والأخير لي، وهو يعرف رأيي مقدما، لكن السعادة زالت عن وجهه عندما شاهدني متجهمة الوجه، طلت منه أن نجلس سويا في أحد الأماكن الهادئة وفعلا ذهبنا لمكان هادئ ودار بيننا الحوار التالي
- مالك فيه إيه ... أنا كنت فاكرك حتبقي فرحانة
* خالد ... إنت بتحبني بجد؟
- طبعا ... إنتي لسة بتسألي بعد ما رحت مع بابا وماما طلبناكي رسمي.
* مستعد تضحي بأي حاجة علشاني؟
- أطلبي روحي ... قلبي ... عقلي
أطرقت قليلا ثم إستجمعت أنفاسي لأقول له
* خالد ... إنت بتحب ربنا؟
- طبعا ... الموضوع ده مش عايز سؤال.
* عندك إستعداد تدرس المسيحية علشان خاطري؟
بدت الدهشة والذهول على وجه خالد فعاجلته بالكلمات قائلة
* أنا مش بأقول تبقي مسيحي، أنا بأقول خد وقت كافي لدراسة المسيحية، سنة ... سنتان ... عشرة، وأنا حأستناك مهما طال الوقت، ولو إقتنعت بالمسيحية يبقي نتجوز جواز مسيحي.
أجاب خالد مندهشا ونبرات الحدة بدأت تظهر في حديثه
- لكن أنا ما طلبتش منك تغيري دينك ... أنا قابل إنك تفضلي مسيحية.
* أنا عارفة يا خالد ... لكن ليه ما تديش لنفسك الفرصة لدراسة المسيحية يمكن الأمور تتغير.
- يا نادين أنا مش عارف إيه اللي جرالك ... إنت من الأول عارفة إني مسلم وكنتي موافقة ... إيه اللى خلاكي تقولي الكلام ده.
أطرقت قليلا محاولة شرح ما دار بخلدي في الليلة الماضية التى لم يغمض جفني بها ثم قلت له
* عندك إستعداد نعيش مع بعض من غير جواز؟
إمتعص وجه خالد وتمتم قبل أن يقول بصوت حاد
- أستغفر الله العظيم ... إيه اللي بتقوليه ده يا نادين ... أنا لولا عارف أخلاقك كنت قلت عليكي كلام تاني.
* أرجوك رد على سؤالى ... عندك إستعداد نعيش في الحرام.
- طبعا لأ ... أستغفر الله العظيم ... كيف أغضب ربي وقد أتاح لي الحلال؟
ثم إستدرك قائلا
- ليه نعيش في الحرام طالما ممكن نعيش في الحلال.
هنا أحسست أنني وصلت للنقطة التي أريدها، فقلت له متعجلة
* حلال من وجهة نظر مين يا خالد؟
- ده شرع الله يا نادين ... الله حلل إننا نتجوز من أخوتنا المسيحيين ونتصاهر معهم دليل المحبة المتبادله.
* طيب وما فكرتش فى إن الموضوع ده حلال عندي ولا لأ؟
- بالتأكيد حلال ... أنا أعرف مسلمين كتير متجوزين مسيحيات وعايشين معاهم كويس ... حتى الرسول كان متجوز ماريا القبطية وكانت أم إبنه الوحيد.
* يا خالد ... بالنسبة لإلهي الأمر سيان ... سواء تزوجنا أو عشنا بدون زواج ... في الحالتان أقوم بعمل محرم في شريعتي.
وقبل أن ينطق عاجلته قائلة
* علشان كده أنا بأطلب منك تاني إننا نعيش مع بعض من غير جواز.
هب خالد منتفضا وهو يقول بصوت محتد
- أستغفر الله العظيم ... تاني بتقولي الكلام ده يا نادين ... أنا مش عارف إيه اللي جرالك من إمبارح للنهارده ... أنا إنسان متدين ومش ممكن أغضب ربي.
كانت هذه الكلمات كافية لي لأقف في هدوء وأقول له
* أنت متمسك بربك ولا تريد أن تغضب ربك من أجلي ... لكن مطلوب مني أن أغضب ربي من أجلك
كنت أسمع صوته من خلفي وهو ينادي بإسمي، بينما كنت أسرع الخطي مبتعده ودموعي تنهمر بعدما أبصرت حقيقة كانت غائبة عني، لا أعرف إلى أين ستأخذني قدماي فقد إكتشفت أني كنت أعيش وهما، حقا أنه وهم جميل لكنه مثل السم المدسوس في العسل، حبيبي متمسك بربه أكثر مني، لا يريد أن يغضب ربه، بينما كنت أنا كالأمة أغضب ربي ولا افكر به.
لم أدري سوي وأنا أقف داخل الكنيسة ودموعي تنهمر ناظرة تجاه المسيح المصلوب، ولم أجد كلمة اقولها سوي الكلمة التي رددها خالد ... لن أغضب ربى