- قال المسيح إنه ”النور“
فلقد قال لليهود: «أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة» (يوحنا 8: 11)
نحن نعرف من هو نور السماوات والأرض، فيذكر الكتاب المقدس أن «الله نور» (1يوحنا1: 5). وفي العهد القديم قال داود: «الرب نوري وخلاصي» (مزمور27: 1). فأن يقول المسيح إنه هو ”نور العالم“، بل وأكثر من ذلك، هو يعد كل من يتبعه ألا يمشي في الظلمة، بل يكون له ”نور الحياة“، أي النور الذي يفضي إلى الحياة والذي يمتع بالحياة؛ فهذا معناه بكل وضوح أنه هو الرب. ونلاحظ أن البشير يوحنا ذكر عن المسيح إنه النور في إنجيل يوحنا، لا مرة ولا مرتين، بل 21 مرة (3×7).
كان المسيح في اليوم السابق مباشرة قد دعا كل العطاش لكي يأتوا إليه ويشربوا (يوحنا7: 37-39)، أي إنه وعد البؤساء بالري والانتعاش، وهنا يدعو الذين في ظلمة الخطية والجهل ليأتوا إليه فيتمتعوا بنور الحياة!
والمسيح يقول عن نفسه إنه ”النور“، في الوقت الذي يقول فيه عن يوحنا المعمدان النبي العظيم، بل الذي هو أفضل من نبي، إنه ”السراج الموقد المنير“ (يوحنا5: 35). لاحظ الفراق الكبير بين ”النور“ ومجرد ”السراج“. بكلمات أخرى، بين المطلق (النور) والنسبي (السراج).
والمسيح لم يقل ذلك فقط، بل برهن عليه فورا، في المعجزة العظيمة التي فعلها بعد ذلك مباشرة، إذ منح نعمة البصر لمولود أعمى، وسنتأمل – بمشيئة الرب - تلك المعجزة في الفصل الثالث.
- قال المسيح إنه الراعي الصالح:
فلقد قال المسيح لليهود:
«أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف» (يوحنا10: 14).
هذه الآية تحمل أكثر من دليل على كون المسيح هو الله، فالراعي الذي يرعى الأفراد والجماعات أيضًا، لا يمكن أن يكون - بحسب تعليم العهد القديم – شخصًا آخر بخلاف ”الرب“، ”الله“. قال داود: «الرب راعيّ فلا يعوزني شيء » (مزمور23: 1)، وقال إشعياء النبي عن الرب: «كراعٍ يرعى قطيعه، بذراعه يجمع الحملان، وفي حضنه يحملها، ويقود المرضعات» (إشعياء 40: 11). فالراعي هو الرب الله.
ثم إن المسيح قال هنا: «أنا هو الراعي الصالح». وفي مناسبة أخرى قال المسيح: «ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله». فكون لا أحد صالح إلا الله، وكون المسيح صالحًا، كقوله هنا «أنا هو الراعي الصالح» يعني أنه قال عنه نفسه إنه هو الله.
12- قال المسيح إنه هو القيامة والحياة فلقد قال لمرثا: «أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد» (يوحنا11: 24-26).
قيلت هذه العبارة عندما ذهب الرب يسوع إلى بيت عنيا ليقيم لعازر من الأموات. ونحن نعلم أنه لم يقل كلمات مثل هذه أي نبي قبل المسيح، ولا أي رسول بعده، مع أن بعضهم أقام موتى. إنها عبارة مملوءة بالجلال، بحيث لا يمكن لشخص بشري أن يقول نظيرها، ما لم يكن مدعيًا. فالمسيح يوضح بتلك الكلمات أنه ليس معلمًا بشريًا يتحدث عن القيامة، بل هو المصدر الإلهي لكل قيامة، سواء كانت روحية الآن، أو حرفية في أوانها. كما أنه أصل وينبوع كل حياة، طبيعية كانت أم روحية أم أبدية.
فهذه العبارة إذا هي عبارة فريدة وتعطي دلالات أكيدة على لاهوت المسيح. فذاك الذي هو مصدر الحياة، والذي فيه كانت الحياة (يوحنا1: 4)، قَبِل أن ”يذوق بنعمة الله الموت“ (عبرانيين 2: 9)، ليمكنه أن يكون أيضًا القيامة لمن يؤمن به. وحده وليس سواه – بموته وقيامته - أمكنه أن يبطل الموت، وينير الحياة والخلود بواسطة الإنجيل (2تيموثاوس1: 10).
13- قال المسيح إنه يستجيب الدعاء
فلقد قال لتلاميذه في حديث العلية: «ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن. إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعله» (يوحنا14: 13، 14)لا يوجد شخص ممكن أن يسمع كل دعوات الداعين، الصاعده له من كل العالم، إلا الله وحده. وأي ادعاء بأن هناك مخلوق يمكن أن يستمع إلى نداءات البشر الذين يتجهون إليه، هو ادعاء عار من الصحة. أسفي على الذين ألَّهوا البشر، ونسبوا لهم سماع الصلوات واستجابتها. لقد قال إيليا النبي العظيم مرة لأليشع: «ماذا أفعل لك، قبل أن أؤخذ منك؟» (2ملوك2: 9). لاحظ قوله: ”قبل أن أؤخذ منك“، وأما المسيح فهو ما زال يفعل، وذلك بعد رحيله بألفي سنة. إنه يسمع الصلوات ويستجيبها. هذا ما أكده المسيح هنا، وما اختبره كل المؤمنين الأتقياء.
ونلاحظ أن المسيح لم يقل هنا: ”مهما سألتم باسمي فذلك يفعله الآب“، ولم يقل ”إن سألتم شيئًا باسمي فإن الآب يفعله“، بل قال: «فذلك أفعله»، وأيضًا «فإني أفعله».
14- قال المسيح إن تلاميذه بدونه لا يقدرون أن يفعلوا شيئًا.فلقد قال في حديثه الأخير مع تلاميذه في العلية أيضًا: «لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا» (يوحنا15: 5).
في هذه الأقوال ينسب الرب يسوع لنفسه القوة والقدرة على كل شيء. ونلاحظ أن الرب قال هذا لتلاميذه، ليس في بداية تواجده معهم، بل في نهايته، وفي نفس ليلة آلامه. فهو كان مزمعًا أن يتركهم، لكنه يؤكد لهم أنه بلاهوته باقٍ معهم. وعليهم أن يدركوا أنهم لن يقدروا أن يعملوا أي شيء بدونه. وهذا معناه أنه ليس مجرد إنسان، غيابُه عنهم ينهي عمله، بل إن لاهوته ظاهر في أقواله هنا، وهم بدونه لن يقووا على عمل أي شيء.
والعكس أيضًا صحيح، فلقد قال الرسول بولس: «أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني» (فيلبي4: 13).
ونلاحظ أن المسيح لم يقل في المقابل: ”لأني بدونكم لا أقدر أن أفعل شيئًا“. فكون المسيح يستخدمنا، فليس ذلك لأنه بدوننا عاجز، حاشا، بل إنه يكرمنا بأن يقبل أن يستخدمنا في عمله، وهو وحده الكفؤ لهذا العمل، فمسرة الرب بيده تنجح (إشعياء53: 10).
15- قال المسيح إنه هو معطي الروح القدس فقد قال لتلاميذه في العلية: «خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم» (يوحنا16: 7).
فإذا عرفنا أن الروح القدس هو أقنوم في اللاهوت (ارجع إلى تعليقنا على الأقانيم في متى 28: 20 في الفصل التالي)، اتضح لنا فورًا أنه لا يمكن أن يرسل أقنومًا إلهيًا سوى الله.
وفي هذا قال الرب في العهد القديم: «أني أنا الرب إلهكم وليس غيري.. ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر» (يوئيل2: 27و28).
ونلاحظ أن المسيح في العظة نفسها قال إن الآب سيرسل إليكم الروح القدس (14: 26)، وهنا يقول إنه هو الذي سيرسله، مما يدل على الاتحاد والتوافق بين الابن والآب.
16- قال المسيح إن كل ما للآب هو له
فلقد قال المسيح لتلاميذه في عظة العلية: «كل ما للآب هو لي» (يوحنا16: 15)، ومرة ثانية قال في صلاته إلى أبيه: «كل ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي» (يوحنا 17: 10).
حسنًا علَّق القديس لوثر على هذه الآية بالقول: ”قد يمكن لأي مؤمن أن يقول الجزء الأول من هذه الآية العظيمة: «كل ما هو لي فهو (للآب)»، ولكن من ذا الذي يقدر أن يضيف قائلاً: «وما هو (للآب) هو لي»؟“.
ونلاحظ أن المسيح لم يقل للآب كل ”من هو“ لي هو لك، ”ومن هو“ لك هو لي، بل قال: «كل.. ما لك فهو لي». إن عبارة «كل ما للآب» تعني، ضمن ما تعني: أزلية الآب، وقداسته، وكماله، ومجده، وصفاته، وعرشه.
ثم إن هذه العبارة لا تعني مجرد معادلة ومساواة الابن بالآب، بل هي في الواقع تعني شيئًا أكثر من ذلك، إذ إنها تستلزم أيضًا الشركة والوحدة الكاملة في كل شيء، كقول المسيح: «أنا والآب واحد» (يوحنا10: 30) وهذا هو تعليم الكتاب المقدس بخصوص أقانيم اللاهوت. مساواة في الأقنومية ووحدة في الجوهر!
17- قال المسيح إنه صاحب المجد الأزلي
فلقد قال المسيح في صلاته لأبيه على مسمع من تلاميذه: «والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم»(يوحنا17: 4و5).
ما أقوى هذه العبارة: «المجد الذي لي عندك قبل كون العالم»! إننا نتفق مع أحد الشراح الذي قال لو لم يكن لدينا سوى هذه الآية، تحدثنا عن لاهوت المسيح، لما أمكننا أن نطعن في لاهوته. فهي تقول لنا صراحة إن المسيح كان من الأزل مع الآب، وليس ذلك فقط، بل تحدثنا أن له مجدًا أزليًا يتمتع به مع الآب في الأزل! ونحن طبعًا لا يمكننا أن ندرك كنه هذا المجد الأزلي، فهو من ناحية غير معلن، ومن ناحية أخرى يفوق عقولنا المحدودة. ولكن ما لا نقدر أن نستوعبه ونفهمه، يمكننا أن نؤمن به ونسجد لأجله.