المزمور السادس
أول مزامير التوبة
أول مزمور من مزامير التوبة السبعة [ 6 ، 32 ، 38 ، 51 ، 102 ، 130 ، 143 ] التى تناسب التعبير عن حال التائب ، وقد دعيت هذه المجموعة هكذا ربما بواسطة القديس أغسطينوس .
يرى البعض أن هذه المزامير السبعة تقابل خطايا داود السبع ، وهى :
1 – الكبرياء أو الأفتخار حين أمر بتعداد رعيته .
2 – الزنا مع إمرأة أوريا الحثى .
3 – الغش حيث دعا أوريا من الجيش ليخفى خطيئته .
4 – التستر على خطيته بطلبه من أوريا أن يبيت مع زوجته .
5 – قتل أوريا .
6 – تهاونه مع إبنه أمنون الذى ارتكب الشر مع أخته .
7 – قساوة قلبه إذ لم يعترف بخطيته حتى جاءه ناثان النبى بعد حوالى عامين .
يقول قداسة البابا شنودة الثالث :
هذا المزمور من اهتمام الكنيسة به ، وضعته فى صلاة باكر ، وفى صلاة نصف الليل ، وفى صلاة الستار التى يصليها الرهبان . يقول داود النبى فى مقدمته :
" يارب لا تبكتنى بغضبك ، ولا تؤدبنى بسخطك " .
وهو هنا يعترف بخطيته ، ويعترف بأنه يستحق التبكيت والتأديب ، إنما يطلب ألا يكون ذلك شديدا عليه .
يقول للرب : " لا تبكتنى بغضبك " ، لأنه إنسان ضعيف ، لا يحتمل غضب الله .. لو أدبتنى يارب بغضبك ، يمكن أن تفنينى ، ولا تبقى على . وهذا المعنى قاله أيضا إرميا النبى " أدبنى يارب ولكن بالحق . لا بغضبك لئلا تفنينى " ( إر 10 : 24 ) .
التبكيت له بركات ، ويمكن أن ننتفع بها ..
ولنا مثال عجيب فى تبكيت ربنا يسوع المسيح لبطرس الرسول ، ذاك الذى أنكر ولعن وجدف !
قال له يسوع : " يا سمعان بن يونا ، أتحبنى أكثر من هؤلاء ؟ ارع غنمى ، ارع خرافى ... " . وكرر السؤال ثلاث مرات ( يو 21 : 15 – 17 ) .
وكثير من الخطايا لم يبكت عليها الله ...
لم يبكت إبراهيم الذى ادعى أن سارة أخته ( تك 20 : 2 )
الإنسان هو الذى يكثر من التبكيت .
" إرحمنى يارب فإنى ضعيف "
( ارحمنى ) هى أكثر كلمة مستعملة فى الكنيسة وفى صلواتها . ولا توجد صلاة فى رفع بخور باكر أو فى رفع بخور عشية أو فى المزامير ، إلا وفيها عبارة ( ارحمنا ) . ونكررها مرات كثيرة فى قولنا ( كيرياليصون ) .
ارحمنى يارب لأنى ضعيف ... وأيضا لأن قلبك واسع يتسع لكل خطية .
" اشفنى يارب فإن عظامى قد اضطربت ،
ونفسى قد انزعجت جدا " [ 1 – 3 ]
لو ارتعش الجسد لكان الأمر سهلا جدا ، أما أن تضطرب العظام الصلبة القوية ، البنيان الهيكل الجبار ، فإن هذا يدل على أن جسده كله على وشك الضياع ...
بدأ يشعر أنه مريض ، جسدا وروحا ، فالخطية ونتائجها لها تأثير على كليهما .
وادى ظل الموت :
" وأنت يارب فإلى متى ؟ ..
لأنه ليس فى الموت من يذكرك ،
ولا فى الجحيم من يعترف لك " [ 4 ، 6 ] .
سؤال يحمل عمق اليأس وعجز الإنسان اللانهائى !
لذا لا خلاص له إلا بالنعمة الإلهية والمراحم الأبوية !
" عد ونج نفسى وأحينى من أجل نعمتك " [ 3 ، 4 ] .
لماذا يقول المرتل " عــد " ؟ أليس الله حاضر فى كل مكان ؟
يجب أن نميز بين نوعين من الحضور ، حضور الله المالىء كل مكان ، وحضور النعمة حيث يسكن وسط شعبه وفى داخل قلوبهم ، معلنا اتحادهم به .
" لأنه ليس فى الموت من يذكرك ، ولا فى الجحيم من يعترف لك " [ 5 ]
المرتل يعنى بالموت الخطية التى يقترفها الإنسان ضد الناموس الإلهى ، لهذا تدعى شوكة الموت ، ما دامت تؤدى إليه " لأن شوكة الموت هى الخطية " 1 كو 15 : 56 . هذا الموت يتمثل فى تجاهل الإنسان لـلـــه ، واحتقاره ناموسه ووصاياه .
هناك كثيرون أحياء بالجسد لكنهم أموات ولا يقدرون على التسبيح لله ... وهناك كثيرون قد ماتوا بالجسد لكنهم يسبحون الله بأرواحهم ، إذ يقال : " يا أرواح وأنفس الأبرار سبحى الله " [ راجع دا 3 : 86 – تتمة دانيال فى الترجمة السبعينية ] ، " كل نسمة فلتسبح الرب " مز 150 : 6 .
+ + +
المزمور السابع
أنشودة القديس المفترى عليه
مرثاة يرفعها المرتل متضرعا أمام محكمة الرب العادلة ، مناسبتها هى حادثة كانت وقعت لداود حين اضطهده أعداءه ، ربما شاول ورجاله ، الذين افتروا عليه ، فهرب إلى حضرة الرب فى الهيكل ، لأجل سلامته الشخصية ، وللبت فى القضية واستصدار حكم بها وإعلان براءته .
" أيها الرب إلهى ، عليك توكلت ،
خلصنى من أيدى جميع المطاردين ونجنى ،
لئلا يخطفوا نفسى مثل الأسد ،
حيث ليس من ينقذ ولا من يخلص " [ 1 ، 2 ] .
هنا أول مثل فى المزامير فيه يذكر اسمين للقدير : " يهوه " ( الرب ) ، و " إلهى " . إذ كان داود مضطربا يتطلع إلى عدوه القاسى كأسد يود أن يمزقه [ 2 ] ، ولهذا يرفع صلاة وتسبيحا للرب ( يهوه ) الذى يدخل مع شعبه فى عهد لحمايتهم ..
الأسد هنا هو الشيطان ، الخصم المقاوم لكل البشر . إنه أسد زائر ومشتك ، يتهمنا ، وهو كذاب وأبو الكذاب ، هو الحية القديمة ، رئيس سلطان الهواء ، إله هذا الدهر ، رئيس الظلمة ، الروح الذى يعمل حتى الآن فى أبناء المعصية ، وما من أحد يستطيع الصمود أمامه بقوة ، أما حماية الرب فهى الرجاء الوحيد والأخير للخلاص منه .
يعلن داود المرتل براءته أمام الله ، قائلا :
" أيها الرب إلهى إن كنت فعلت هذا ،
وإن كان ظلما فى يدى ،
أو جازيت الذين صنعوا بى الشرور ،
أسقط إذن أمام اعدائى فارغا " [ 3 ، 4 ] .
سقط شاول بين يدى داود مرتين ، مرة فى مغارة عدلام وأخرى فى برية زيف ، لكنه لم يمس شعرة منه ولم يؤذه ... هكذا يتعامل رجل الله مع عدوه من بنى البشر بالخير الذى أوصاه به الكتاب المقدس ( 1 صم 24 ، 26 ) .
+ أى مجد لنا إن كنا لا نؤذى من لا يؤذينا ؟! بل الفضيلة الحقة هى أن نغفر لمن يؤذينا .
قم يارب :
" قم يارب برجزك ،
وارتفع فوق أقطار أعدائى ،
أستيقظ يارب وإلهى بالأمر الذى أوصيت ،
ومجمع الشعوب يحوط بك ،
ولأجل هذا أرجع إلى العلا " [ 6 – 8 ] .
يلاحظ فى الليتورجيات الخاصة بأعياد الصليب تختار المزامير التى يرد فيها كلمة " ارتفع " ؛ وكأن الكنيسة تتطلع إلى هذه المزامير بكونها إعلانا عن ارتفاع السيد المسيح على الصليب ليحطم العدو إبليس ويهب النصرة لشعبه ومجدا لأبيه .
هنا قبل أن يتحدث عن الحكم أو الدينونة الأنقضائية فى يوم الرب العظيم يشير إلى :
صلب الرب " ارتفع " ...
وقيامته " استيقظ " .....
وصعوده " ارجع إلى العلا " .
يقول المرتل " قم " للرب الذى لا ينعس ولا ينام ( مز 121 : 4 ) . فى وسط الضيق يبدو لنا وكأن الشر قد انتصر ، لذا نصرخ إلى الرب بكلمات المرتل هذه التى تكشف عن مدى نفاذ صبره وما يعانيه من عذاب .
ارتبطت هذه الصرخة أو هذا النداء بتابوت العهد الذى يرمز للحضرة الإلهية وسكنى الله وسط شعبه وهم فى البرية أو أثناء الحروب فيما بعد . [ عدد 10 : 35 ، مز 68 : 1 ، 1 صم 4 : 1 – 4 ] .
" فاحص القلوب والكلى هو الله " [ 9 ] .
الله فى دينونته للأشرار لا يحتاج إلى شهود ، إذ هو مدرك للخفيات ، عارف ما تخفيه القلوب من مشاعر أو عواطف وأفكار ، وعالم بما فى الكلى من رغبات وشهوات ... كل شىء مكشوف وعريان أمامه ، فلا يخطىء الحكم .
يشبه المرتل الأشرار أيضا برجل يحفر حفرة لأخيه فيسقط فيها ، إذ يقول :
" حفر جبا وعمقه سيسقط فيه ،
وفى الحفرة التى صنعها " [ 15 ] .
يكشف داود النبى أن الخطية تحمل فى أعماقها جزاءها ، كما يحمل البر فى ذاته المجازاة ، هكذا يعلن الكتاب المقدس :
" من يحفر حفرة يسقط فيها ، ومن يدحرج حجرا يرجع عليه " أم 26 : 27 .
" من يحفر هوة يقع فيها ، ومن ينقض جدارا تلدغه حية " جا 10 : 8
" جلبت طريقهم على رؤوسهم " حز 22 : 31 .
" ساروا وراء الباطل وصاروا باطلا " إر 2 : 5 .
يختم المرتل المزمور بالأعتراف بعدل الله والتسبيح لأسمه ، إذ يعمل الله فى حياته ويرد الشر على العدو الشرير .
" اعترف للرب على حسب عدله ،
وأرتل لأسم الرب العلى " [ 17 ]
الله هو العلى فى سمو مجده ، ليس أحد مثله ، ولا شريك له ، وليس أحد بجانبه .
+ يا له من قول جميل : " العلى " ، لأن الرب ارتفع قدر ما اندحر الشيطان .
+ + +
المزمور الثامن
سلطان إبن الإنسان
هذا المزمور هو أغنية تسبيح أو حمد ، تمجد الله الخالق ، لأنه أعطى البشر المسئولية والكرامة ، يدور المزمور كله حول عظمة الله ومجده خلال عظمة الإنسان وكرامته .
يرى بعض الدارسين أن هذا المزمور نظمه داود النبى ليلا ، حين كان يسهر على القطيع ، فهو زاخر بالتأملات الليلية .
مزمور مسيانى
اقتبس هذا المزمور فى العهد الجديد ثلاث مرات ، فيشير إليه ربنا يسوع المسيح حينما هتف الأطفال فى الهيكل : " أوصنا لأبن داود " مت 21 : 16 ، كما اقتبسه بولس الرسول فى 1 كو 15 : 27 ، وعب 2 : 5 – 9 ، مظهرا أنه يشير إلى ربنا .
وقد اعتبر مزمورا مسيانيا على أعلى مستوى ، إنه نبوة تخص السيد المسيح فى آلامه ، وقيامته ، وسلطانه على كل المخلوقات . فيقول أحد الدارسين السريان : [ المزمور الثامن يخص المسيح مخلصنا ] .
" أيها الرب مثل عجب صار اسمك على الأرض كلها ،
لأنه قد ارتفع عظم بهائك فوق السموات " [ 1 ]
عجيب هو اسم الله فى الخلقة وفى عهده الذى أقامه مع الإنسان ، أينما وجد الإنسان !
مجده يملأ " الأرض كلها " كخالق للمسكونة .
" لأنى أرى السموات أعمال أصابعك ،
القمر والنجوم أنت أسستها " [ 3 ] .
يذكر هنا القمر والنجوم دون أن يشير إلى الشمس ، لأنها ترمز إلى " ربنا يسوع المسيح " ، العريس السماوى ( مز 19 : 5 ) .
القمر بتغيراته يرمز إلى " الكنيسة " ، أما النجوم بأمجادها المتباينة فى النور فترمز إلى " المؤمنين ".
يتحدث المرتل عن السموات بكونها " أعمال أصابعه " . كما فى كل الصناعات اليدوية يستخدم الإنسان أصابعه ، لهذا وكنوع من الإخلاء والأتضاع قيل إن الله صنع السموات بأصابعه ، مع أنه بدون أعضاء جسدية .
الناموس أيضا كتب بأصبع الله ( خر 31 : 18 ) ، التى نفهم بها الروح القدس . فإن الروح القدس الذى يسجل كلمات الله فى قلوبنا هو القادر وحده أن يحولنا إلى سموات !
" وضعته قليلا عن الملائكة " [ 5 ]
الله الذى هو بالطبيعة فوق الملائكة ، قد اتضع وأنقص قليلا عنهم بإخلائه ذاته بالتجسد ، ليهبنا شركة مجده ( عب 2 : 6 – 8 ، 1 كو 15 : 27 ) .
+ لأنه حمل طبيعتنا أنقص قليلا عن الملائكة .
تمجيد اسم الرب [ 9 ]
لا يختم المرتل مزموره بالتأمل فى سلطان الإنسان على الأرض ، وإنما يعود إلى البداية حيث يعلن مجد اسم الرب إلهنا .... وكأن مجد اسمه هو البداية والنهاية ، أما مجدنا فهو عطية من الله الممجد فى كل الأرض .
" أيها الرب ربنا ، مثل عجب صار اسمك على الأرض كلها " .
+ + +
المزمور التاسع
تسبحة الغلبة
المزموران 9 ، 10
يرتبط المزموران 9 ، 10 إرتباطا وثيقا ببعضهما البعض ، وقد وجد اتفاق شبه عام على أنهما يكونان مزمورا واحدا . وفى الحقيقة تدعوهما النسخة السبعينية المزمور التاسع ، وقد تبعتها الترجمة اللاتينية المسماة الفولجاتا وأيضا النصوص الليتورجية القديمة فى الكنيسة الشرقية والغربية .
" اعترف لك يارب من كل قلبى ،
وأحدث بجميع عجائبك ،
أفرح وأتهلل بك .
أرتل لأسمك أيها العلى " [ 1 ، 2 ] .
افتتاح هذا المزمور هى صلاة شكر من أجل نوال نصر ظافر وأكيد على أعداء المرتل . يمكن فهمه على أنه نذر للرب ، به ينذر العابد الحقيقى أنه سيشهد باسم الرب ويتحدث بجميع عجائبه .
الرب الديان
" فى ارتداد عدوى إلى خلف يضعفون ويهلكون جميعا من وجهك ، لأنك صنعت حكمى وانتقامى " [ 3 ]
إن سقط أعداؤنا الروحيون إنما يتحقق ذلك فى حضرة الله . فحضوره ومجد قوته كفيلان بتدمير لأعداء شعب الله .
الرب الملجأ
" وكان الرب ملجأ للفقير ،
وعونا فى أوقات موافقة فى الضيق " [ 9 ]
يعانى الأبرار الذين يعرفون اسم الرب من متاعب كثيرة ، خلالها يكتشفون أن الله ملجأ لهم . وقد استخدم المزموران 9 ، 10 العديد من الأسماء بها يشير إلى الأبرار : المساكين ، المتواضعين ، البائسين ، المحتاجين ، الأبرياء ، اليتامى ، طالبى الرب وعارفى اسمه .
الله هو ملجأ عال لحماية قديسيه ، لن يبلغ إليه أقوى أعدائهم الأشرار .
العدو يميتنى بالقلق والمخلص يرد لى البهجة والفرح :
" يا رافعى من أبواب الموت ،
لكيما أخبر بجميع تسابيحك ،
فى أبواب إبنة صهيون ،
أبتهج بخلاصك " [ 14 ]
بالخطية تغلق علينا أبواب الموت الأبدية ، وتفقد النفس سلامها مع الله ومع ذاتها فلا تقدر على التسبيح . أما مسيحنا الغالب للموت فيرفعنا من أبواب الموت بعدما حطم متاريسه ، وأطلق لسان قلوبنا بالفرح لننشد له تسابيح الفرح . يدخل بنا إلى إبنة صهيون ، الكنيسة السماوية ، التى تشارك السمائيين بهجتهم وليتورجياتهم وتسابيحهم .
يعاقب الله على الشر ، ويكافىء الأبرار على صبرهم :
" سيعرف الرب أنه صانع الأحكام ،
والخاطىء بأعمال يديه أخذ ...
وصبر البائس لا يهلك إلى الدهر " [ 16 ، 18 ]
تظهر عدالة الله فى معاقبته الأشرار ومكافأة الأبرار .
+ + +
المزمور العاشر
لا تنس المساكين يارب
يتحدث المزمور السابق عن الأعداء الخارجين أما هنا فعن الأعداء الداخليين الذين يظلمون المساكين والأيتام ، متجاهلين حكم الله وقضاءه .
ينتهى المزمور بالإيمان بالرب العطوف على اليتيم والبائس ، فلا يدع الأشرار المتكبرين فى مجتمع ما أو على مستوى المسكونة كلها أن يطغوا على من لا عون لهم ، العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم ، فيطردونهممن مواضعهم .
يرى بعض الدارسين أن المزمور يمثل استغاثة تصدر عن الكنيسة وقت الأضطهادات ، خلالها تتوجه أنظارها واهتماماتها إلى التكريس للشهادة الإنجيلية ، كما تعين المؤمن فى احتماله ضيقاته ومتاعبه الشخصية ، وما يعانيه من كبرياء الأشرار .
والعجيب أن هذا المزمور يناسب المؤمن التقى الساقط تحت وطأة الضيق أينما وجد فى العالم ، وفى أى زمان ! إنه يصف الكنيسة المتألمة ، كنيسة السيد المسيح ، ويكشف عن المصير المحتوم للأشرار أعدائها .
" يارب لماذا تقف بعيدا ؟
لماذا تختفى فى أزمنة الضيق ؟ " [ 1 ]
الله لا يتخلى قط عن قديسيه أثناء ضيقهم ، لكن المؤمن أحيانا إذ ينتظر التعزية الإلهية طويلا يبدو له وسط آلامه كأن الله يقف صامتا ، أو كأنه يقف بعيدا ، فيصرخ متساءلا : " يارب ، لماذا تقف بعيدا ؟ " .
بلا شك أن حضور الله هو مصدر الفرح والتعزية لشعبه ، أما الشك فى حضوره فيسبب قلقا وفقدانا للسلام الداخلى . وإن كان البعض يرى فى تساؤل المرتل عتاب حب واعتراضا مقدسا ورعا وليس غريبا . فقد حدث موقف مماثل على الصليب ، قائم على أساس الإيمان بأن الله يرى كل شىء ، وأنه وحده قادر أن يهب النجاة ، فهو إله عادل يحكم بالعدل فى النهاية ...
الشدة لا بد أن تزول يوما ما ، لكن ما أقتنيه هو إشراق وجهك على وقت الضيق ...
" قم ياربى وإلهى ..
ولترتفع يدك ،
ولا تنس المساكين " [ 12 ]
بعدما وصف المرتل سمات الشرير المرة ومقاومته العنيفة الشرسة والمملوءة دهاء ضد أولاد الكنيسة المدعوين " مساكين " ، يصرخ المرتل طالبا تدخل الله المخلص الذى يبدو كما لو كان نائما فى السفينة : " قم ياربى وإلهى ! " .
حينما يفتر إيماننا إلى حين نصير كأننا نائمون أو كأن السيد المسيح نائم فى سفينتنا فنيقظه كما فعل تلاميذه ، قائلين له : " يا سيد نجنا فإننا نهلك " مت 8 : 25 .
لعل المرتل هنا – إذ تشتد به الضيقة جدا – يجد فى صليب رب المجد وقيامته سر القوة ، فيصرخ أن ترتفع يده ، أى يعلن قوة صليبه حيث ارتفعت يده بالقوة لتحطم سلطان إبليس مصدر الشر ، طالبا منه أن يقوم فى قلبه ، واهبا إياه قوة قيامته مصدر الغلبة حتى على الموت ، فيقول مع توما الرسول : " ربى وإلهى " !
+ + +