المزمور العشرين
الله يخلص الملك
هذا المزمور ملوكى ، ليتورجى ، ومسيانى . كان يخص طقس الهيكل للملوك ، خاصة فى وقت الحرب .
نظمه داود ليصلى به عند نجاح حملته ضد بنى عمون وآرام الذين جاءوا بعدد عظيم من الخيل والمركبات لمحاربته ( 2 صم 10 : 6 ، 8 ، 1 أى 19 : 7 ) . بمعنى آخر ، وضع داود المزمور كصيحة قتال ، به يحث نفسه والشعب ويدفعهم إلى الصلاة .
يرى كثير من آباء الكنيسة أنه نبوة عن آلام السيد المسيح وأعماله الخلاصية من أيدى أعدائنا ، إذ تنتصر مع مسيحها !
هذا الملك الغالب فى المعركة هو المؤمن ( رؤ 1 : 6 ) ، المدعو جندى المسيح ، وكما يقول القديس بولس : " فاشترك أنت فى احتمال المشقات كجندى صالح يسوع المسيح " 2 تى 2 : 3 .
من تأملات قداسة البابا شنودة الثالث :
مزمور [ يستجيب لك الرب فى يوم شدتك ] ، هو أحد المزامير المعزية التى تملأ القلب رجاء ، وتشعره أن الله معك .
تصور أن هناك ملاكا من السماء ، يخاطبك ويقول لك : يستجيب لك الرب فى يوم شدتك ، استمع إلى هذه العبارة من فم ملاكك الحارس ....
تخيل أن داود النبى ، وهو فى فردوس النعيم ، يبعث إليك رسالة خاصة ، ويقول لك فيها : لا تخف ولا تضرب فى كل ضيقاتك ، يستجيب لك الرب فى يوم شدتك .
تصور أن هذه العبارة المعزية ، آتية إليك من الله ، على فم أى إنسان مرسل من السماء ، أو هى عبارة صادرة إليك من أرواح القديسين .
تخيل أن الكتاب المقدس نفسه يقول لك : يستجيب لك الرب فى يوم شدتك ... فى وسط متاعبك ، فى وسط اضطرابات الحياة من حولك ، الله ينظر إليك ، ويرى ، ويستجيب ...
اعتبر أن هذا المزمور هو رسالة سلام من الكنيسة إليك ، رسالة عزاء من الكنيسة إليك ، رسالة تطمئنك وتفرح قلبك .
تخيل أن أحد الآباء الكهنة يصلى على رأسك ، ويقول لك هذه البركة " يستجيب لك الرب فى يوم شدتك " .
أشعر أنها وعد من الله موجه إليك فى وقت الصلاة ، كعبارة عزاء ورجاء وتشجيع . وعد صادق أمين من وعود الله ، يقول لك فيه الوحى الإلهى " يستجيب لك الرب فى يوم شدتك ، ينصرك إسم إله يعقوب "
قل هذا المزمور بكل إيمان ، وشجع به نفسك فى وقت الضيق ، حتى لا تيأس ولا تتضايق ولا تتعب . شاعرا أنه كما أن عبارات هذا المزمور قد تحققت فى الماضى ، هى أيضا تتحقق اليوم وفى كل حين ، ومع كل مؤمن فى ضيقه ..
هذا المزمور يمكن أن تصليه من أجل أحبائك ...
تصليه من أجل غيرك من الناس ... تعرف أن إنسانا ما فى شدة ، فتقف أمام الله ، كما لو كنت توجه هذا الكلام إلى نفس ذلك الإنسان ، وتقول له " يستجيب لك الرب فى يوم شدتك " .. إنها عبارة دعاء منك إلى كل نفس متعبة ، تطلب لها من الرب معونة ..
يستجيب الرب لصلاتك ، لصومك ، لنذورك ، لتذللك ....
دموعك أمام الرب محجوزة ومخزونة فى زق عنده ، لا ترجع فارغة ، بل يستجيب لها الرب ، كما استجاب لدموع القديسة مونيكا أم أوغسطينوس ، وكما استجاب لدموع حنة ولنذرها ، ومنحها إبنا هو صموئيل .
إن كان الله يستجيب فى كل حين ، فبالحرى فى وقت الشدة ، حينما يكون الإنسان محتاجا ولا عون له . لذلك فإن الكنيسة تصلى لأجل جميع الذين هم فى شدة .
" فى يوم شدتك "
أى أن حياة المؤمنين والقديسين ، ليست سهلة على الدوام ، أو كلها فرح ويسر وهدوء ! على العكس ، فيها تجارب ومتاعب ...
والمفروض فى العلاقة بينى وبين الله ، أن تكون علاقة حب ، وليست علاقة طلب فى وقت الشدة !
وعلاقة الحب لا تمنع الطلب ، فالإبن يطلب من أبيه الذى يحبه .
والرب نفسه قال " اطلبوا تجدوا " . ومن جهة الضيق قال أيضا " ادعنى فى وقت الضيق ، أنقذك فتمجدنى " [ مز 50 : 15 ] .
" يستجيب لك الرب " معناها أنه يصنع معك خيرا ....
إن استجابة الرب ليست مطلقة حسب طلباتنا ، وإلا كان معنى هذا أن نسير الإرادة الإلهية وفق هوانا !!
+ قد تطلب من الرب لأجل شفاء مريض ، ولا يشفى بل يموت . لا تتضايق وتظن أن الله لم يستجب فى وقت الشدة !
ربما ملائكة كثيرون ممسكون بالأكاليل ، كانوا ينتظرون خروج نفسه من هذا العالم الباطل ، لكى يزفوها إلى الفردوس . وأنت تريد بصلواتك أن يظل هذا المريض مربوطا بالعالم !!
كلما تتعقد الأمور ، ويبدو أنه لا مخرج ، ينظر الرب ، ويريك أنه توجد عنده حلول كثيرة .
" ينصرك إسم إله يعقوب "
ليس المقصود على الدوام أنه ينصرك على أعدائك والمقاومين والمضطهدين لك ، الخفيين والظاهرين ، فمن الجائز أن ينصرك على نفسك :
ينصرك على عرائزك وشهواتك ، على رغباتك ومشاعرك وأفكارك . ينصرك على الوحش الكامن فى أحشائك من الداخل ، ينصرك على طباعك وعلى نفسيتك وانفعالاتك ، سواء كان فيك خوف أو يأس ، أو ملل وعدم ثبات ، أو اضطراب ، أو حقد ، أو ذاتية ، أو كبرياء ، أو حسد ....
ينصر روحك على جسدك ، وينصر عقلك على نزواتك .
ينصر الحكمة فيك على الإنفعال ، وينصر التضحية فيك على الذاتية .
" ينصرك " لأن الله لا يحب لأولاده الهزيمة ....
إذن الغلبة لم تكن بقوتهم هم ، إنما بدم الخروف .
" يذكر جميع ذبائحك ، ويستسمن محرقاتك " ..
الذبيحة ، هى كل ما كان يذبح للرب ، والمحرقة أيضا ذبيحة . ولكن ما الفرق ؟
الفرق أن بعض الذبائح كان يأكل منها الكاهن أو مقدمها ، والبعض كان يأكل منها أصدقاء مقدمها أيضا ( مثل ذبيحة السلامة ) . فذبيحة الخطية مثلا ، ينال منها مقدمها غفرانا ( حسب الرمز ) . وذبيحة السلامة علامة فرح يعم على الجميع .
أما المحرقة ، فكانت إرضاء الرب ، رائحة سرور للرب ( لا 1 ) ، لذلك كانت للمذبح وحده ، ولنار الرب وحدها . لا يتناول منها أحد . تظل تأكل فيها النار حتى تصير رمادا ، إشارة على أن عدل الله قد استوفى حقوقه من الخطية .
محرقاتك هى كل ما تفعله لإرضاء قلب الله وحده . وذبائحك هى كل خير تعمله لأجل الآخرين ولأجل خلاص نفسك .
" الآن علمت أن الرب قد خلص مسيحه ، واستجاب له من سماء قدسه "
" الآن .. " أثناء الصلاة ، وهو ما زال واقفا يطلب ...
عرف وهو واقف يصلى ، أن الرب قد خلصه ، خلص مسيحه ، وأنه استجاب له ، لذلك اعترف لله بخلاصه .
كتب أبونا تادرس يعقوب متأملا فى هذا المزمور:
" يستجيب لك الرب فى يوم شدتك " [ 1 ] .
مسرة الله أن يستجيب صلوات مؤمنيه الذين يثقون فيه ، واهبا إياهم نصرة وحماية وسرورا
ما هو يوم الشدة ؟ إنه اليوم الذى فيه حمل ربنا يسوع خطايانا ، محتملا الموت ، موت الصليب ، لأجلنا .
الحياة الحاضرة هى " يوم شدة " ، أو " وادى الدموع " ، لأن الكنيسة كعروس للمصلوب تشارك عريسها آلامه ، وتصارع بنعمته ضد الظلمة ، وتجاهد حتى يتمتع كل واحد بنعمة الخلاص .
" ينصرك اسم إله يعقوب " [ 1 ] .
إسم الله ليس تعويذة سحرية بها ننال الغلبة ، وإنما هى تمتع بالحضرة الإلهية واهبة النعم ، ترديدنا إسمه إنما يعنى ثقتنا فى حضرته فى داخلنا ، ويقيننا أنه وحده يقدر أن يفدينا .
" يرسل لك عونا من قدسه ،
ومن صهيون يعضدك " [ 2 ]
قدس الرب أو هيكله المقدس على الأرض هو رمز للمقدسات السماوية ، أو سمواته عينها ، حيث يسمع الله صلوات شعبه الصاعدة كرائحة بخور طيبة ويستجيب لها . الله القدوس الساكن فى السموات يستجيب للطلبات التى تصدر عن قلب مقدس متفقة مع إرادته المقدسة .. لذلك يقال فى ذات المزمور : " واستجاب له من سماء قدسه " [ 6 ] .
" ومن صهيون يعضدك " أى من كنيسة المسيح ، صهيون السماوية ، حيث يسكن المسيح السماوى الذبيح .
" يذكر جميع ذبائحك ،
ويستسمن محرقاتك " [ 3 ]
يشير المرتل هنا إلى الذبائح التى كانت تقدم أثناء التسبيح بهذا المزمور قبل ذهاب الملك إلى المعركة .... تقديم الذبائح يشير إلى أن سر النصرة يكمن فى المصالحة مع الله بالدم . والمحرقات علامة الثقة وعربون النصرة ، إذ يقدم الكل قلوبهم محرقة ملتهبة بنار الحب الإلهى .
" يتمم كل مشورتك " [ 5 ]
ما هى شهوة قلب السيد المسيح ؟ خلاص البشر الذى استدعى موته الذبيحى وقيامته وصعوده إلى الأمجاد ، ليملك على القلوب .
" نعترف يارب بخلاصك " إننا نبتهج ، لأنه لم يكن ممكنا للموت أن يؤذيك بأى حال من الأحوال ، ولهذا أنت تبرهن لنا أنه لا يقدر أن يؤذينا نحن أيضا .
" يارب خلص ملكك واستجب لنا يوم ندعوك " [ 6 ]
يرى كثير من آباء الكنيسة أن الملك المنسوب للآب ، " ملكه " إنما هو السيد المسيح ، ملك الملوك .
" هؤلاء بمركبات ، وهؤلاء بخيل "
ونحن باسم الرب إلهنا ننمو .
هم عثروا وسقطوا ،
ونحن قمنا واستقمنا .
يارب خلص ملكك ، واستجب لنا يوم ندعوك " [ 7 – 9 ] .
هذه خاتمة رائعة لهذا المزمور المسيانى ، فإننا قمنا فيه . أدركنا الحياة الجديدة بعد موت الخطية . نحن ننعم بالأستقامة خلال صلاحه ، فينمو ملكوته خلال خلاصنا .
+ + +