المزمور الخامس والعشرون
الرب معلمنا
يمكن تصنيفه مع مزامير الحكمة وأيضا مع المراثى الشخصية ، خصوصا حين يكون الإنسان حزينا بسبب شعوره الشخصى بالعزلة والأضطهاد .
يعتبر هذا المزمور مثالا طيبا لكيفية الصلاة لله فى تضرعات يومية ، منه نتعلم :
- ماهية الصلاة [ 1 ، 15 ] ، رفع القلب والعينين إلى الله .
- ما الذى ينبغى أن نصلى لأجله : طلب غفران الخطية [ 6 ، 7 ، 18 ] ، توجيهنا نحو طريق الألتزام [ 4 ، 5 ] ، طلب عطف الله [ 16 ] ، الخلاص من اتعابنا [ 17 ، 18 ] ، وحفظنا من أعدائنا [ 20 ، 21 ] ، وخلاص كنيسة الله [ 22 ] .
- كيفية تضرعنا لله فى الصلاة : ثقتنا فى الله [ 2 ، 3 ، 5 ، 20 ، 28 ] ، مرارتنا وظلم أعدائنا لنا [ 17 ، 19 ] ، إخلاصنا [ 21 ] .
- ما هى المواعيد الثمينة المقدمة لنا لتشجيعنا على الصلاة ، لإرشادنا وتوجيهنا [ 8 ، 9 ، 12 ] ، ومنافع العهد مع الله [ 10 ] وبهجة الشركة معه [ 13 ، 14 ] .
" إليك يارب أرفع نفسى " [ 1 ]
يعرف داود الصلاة بأنها رفع نفسه إلى الرب ، فقد اعتاد أن يرفع نفسه وقلبه إلى الله مع رفع يديه وعينيه ، تشترك النفس مع الجسد ، والقلب مع الفكر ...
الصلاة هى رحلة صعود كما على سلم يعقوب ، تاركين وراءنا كل الهموم والمتاعب لتحلق النفس على قمة السلم وتتمتع بالحضن الإلهى .
بالصلاة يختبر المؤمن فى كل يوم أنه غريب على الأرض ، يعيش تحت الآلام ، محاط بالأعداء ، لكنه متلل بالروح ، سعيد بعربون السماء ، ينعم بخبرات جديدة فى شركته مع الله
الصلاة هى رفع العقل إلى الله .
" يا إلهى عليك توكلت " [ 2 ]
استخدم لفظ " اتكال " فى بداية المزمور ، لكن نفس الإتجاه أو الروح عبر كل المزمور عند حديثه عن الله [ 5 ، 8 – 10 ، 14 الخ ... ] وبتأكيده انتظاره الرب [ 3 ، 5 ، 21 ] . فالأنتظار معناه قبول توقيت الرب وبالتالى حكمته .
كلما كثرت متاعبنا تزداد ثقتنا فى الله ، إذ يجب أن تدفعنا المخاطر بعيدا عن ذواتنا ، فنسعى طالبين عون الله ، يشهد ضمير داود له بأنه لا يتكل على ذاته ولا على أى مخلوق بل على إلهه . فلا يتزعزع ولا يخزى بهذا الأتكال .
" جميع الذين ينتظرونك لا يخزون ،
ليخز الذين يصنعون الإثم باطلا " [ 2 ، 3 ]
ليست الضيقات هى التى تجلب الخزى والعار بل صنع الإثم .
كان داود فى مرارة بسبب اضطهاد الأعداء له لكنه كان فى مجد ، لأنه يتكىء على صدر الله مخلصه ، فيحول الضيق إلى خبرة شركة مع الله .
" اظهر لى يارب طرقك ، وعلمنى سبلك ،
أهدنى إلى عدلك وعلمنى .
لأنك أنت هو الله مخلصى ،
وإياك انتظرت النهار كله " [ 4 ، 5 ] .
يصلى المرتل إلى الله فى جدية لكى يظهر له الطريق ويعلمه ويدربه بروح الحب الأبوى كمخلص ، أما من جانبه فهو ينتظر كل النهار ليتعرف على سبل الله ويسلك فيها بروح الطاعة ، يدعوه المرتل معلمه أو مدربه الرحوم الأبدى الذى يدخل به إلى سبله المقدسة .
" خطايا شبابى وجهالاتى لا تذكر ،
كمثل رحمتك أذكرنى أنت من أجل صلاحك يارب ،
لأنه صالحا ومستقيما هو الرب .
لذلك يصنع ناموسا للذين يخطئون فى الطريق " [ 7 ، 8 ]
ما كان يمكن لداود النبى أن يعترف بخطاياه وجهالاته ، خاصة التى ارتكبها فى أيام شبابه لو لم يكشف له الرب عن رأفاته ومراحمه الأزلية . حب الله وأبوته الحانية هما سندنا فى الأعتراف بخطايانا .
+ على الصليب تعانق الحب الإلهى مع العدل ، وانكشفت رحمة الله التى لا تنفصل قط عن عدالته ، لذا يقول المرتل :
" .... ، جميع طرق الرب رحمة وحق ،
للذين يبتغون عهده وشهادته " [ 10 ]
طرق الرب رحمة وحق لمؤمنيه الحقيقيين الذين يطلبون عهده ليحفظوه ، ويكونوا أمناء فى ارتباطهم به ، ليصيروا بالحق ملكا له .
+ كان داود النبى جادا جدا فى طلبه أن يخلصه الرب من ضيقاته ... لكنه وسط آلامه لم ينس آلام الجماعة ككل . صلى لأجل نفسه وها هو يطلب من أجل الجماعة لكى ينقذها ، إسرائيل الجديد ، الذى ليس هو بدولة إسرائل بل كنيسة العهد الجديد .
" يا الله أنقذ إسرائيل من جميع شدائده " [ 22 ]
خلص شعبك ، لا من الضيقات التى تحاصرهم من الخارج ، بل أيضا ومن تلك التى يعانون منها فى الداخل ، لأنك أنت يا الله قد أعددت شعبك لينعموا برؤيتك .
+ + +