*** القديس الراهب المتنيح القمص ثاؤفيلس المحرقى *** قديس القرن العشرين
ولد هذا الاب البار فى بمركز المنشاة محافظة سوهاج فى يوم 6 ديسمبر 1927م من اسرة مسيحية تقية عائشة للرب واسمياه والداه كامل وهو الأخ الأكبر لنيافة الحبر الجليل الأنبا ابراهام مطران القدس ( أطال الرب عمره ) . والحقيقة التى عُرفت من حياته انه كان كاملا فى كل شئ .. وكانت أمه البارة قد رأت قبل ميلاده حلما فيه ملاكا بمنظر روحانى جميل وقال لها الملاك : اللى فى بطنك ده مش ليكى ده بتاع ربنا .. ونشأ كامل فى نشأة روحية فى البيت والكنيسة وتعلم الالحان والمردات من صغره فكان محبوبا من كاهن كنيسته وخدامها ، وارتبط بالكنيسة ارتباطا كبيرا . وكانت له دالة كبيرة مع السيدة العذراء والقديسين والشهداء.
وكان رغم حداثة سنه يؤمن بشفاعتهم ايمانا كبيرا فقد حدث ذات مرة ان والده كلفه بحراسة أجران القمح وكان ذلك يوم الجمعة العظيمة ولم يحتمل الصبى ان يكون بعيدا عن الكنيسة يوم الجمعة العظيمة فصلى بايمان شديد ثقة للرب وقال : يارب مارجرجس يحرس الجرن وأنا اروح الكنيسة ، وذهب للكنيسة وعندما حضر والده وجيرانه رأوا منظرا عجيبا فقد رأوا رجلا ذو طلعة بهية راكبا على حصان ويدور حول الأجران فوقفوا متأملين وخائفين من يكون هذا الرجل وبمجرد وصول الفتى كامل من الكنيسة أختفى هذا الرجل وحصانه ، فكانوا فى ذهول إلى ان تيقنوا انه الشهيد مارجرجس عندما قال لهم الفتى بمنتهى البساطة انه طلب من الرب أن يرسل القديس مارجرجس لحراسة الاجران حتى يعود هو من الكنيسة ..
وعندما اشتد عوده اشتعل فى قلبه وذهنه فكر الرهبنة فأخذ يصلى إلى الرب مستشفعا بالسيدة العذراء متمنيا ان يكون راهبا بأحد أديرتها ، وعندما علم والده بذلك رفض ان يسمح له بالذهاب إلى الدير فأطاع والده ولكنه لم تفارقه رغبته وكان يصلى للرب بلجاجة إلى ان رأى ذات يوما حلما فيه السيدة العذراء ومعها راهب شيخ وكان هذا الراهب يمد له يده بقربانة .. وعندما اخبر اب اعترافه بهذا الحلم قال له : لقد قبلتك العذراء واختارتك فى ديرها المحرق .. وبدأ فى اقناع والده مرة اخرى الذى رفض إلى ان تدخل احد اقرباءه فوافق والده على ان يذهب للخلوة فقط .. وتم قبوله كطالب للرهبنة .
وبعد اختبارات عديدة وصلوات كثيرة زكاه اباء الدير إلى رئيس الدير فرسمه راهبا باسم الراهب ثاؤفيلس المحرقى فى 5 يناير سنة 1959م . ونظرا لما رآه رئيس ديره فيه من من اشتياق للعلم أرسله إلى كلية اللاهوت بحلوان للدراسة بها وبعد فترة الدراسة رجع للدير فكان مثالا وقدوة فى الرهبنة محبا للجميع يهتم بكل المحتاجين وحريصا ومدققا فى كل شئ حتى اصغر الأمور .
وبعد خمس سنوات من رهبنته سيم قسا ظل بعدها مثلا يحتذى فى الخدمة والتواضع والتفانى وانكار الذات فكان يجتذب كل النفوس التى تعاملت معه فذاع صيته إلى أن وصل لمسامع قداسة البابا كيرلس السادس الذى كلفه بالخدمة بالقدس فأطاع على الفور وسافر هناك ليعمل ويخدم بنفس الروح التى اعتاد عليها . ثم إضطر للعودة إلى مصر بسبب ظروف حرب 1967 .
وحتى رحلة عودته كان بها الكثير من أعمال الله معه ليرجعه إلى ديره سالما فعندما تحرك من القدس إلى نهر الاردن وجد شابا امامه يقول له اشيل لك الشنطة يا أبونا فسمح له حتى يستطيع عبور النهر وعندما وصل الجهة الأخرى وضع الشاب الشنطة بجواره وعندها التفت ابونا ليقول له : ربنا يعوضك يا بنى فلم يجد اى شخص !! وفى الاردن سأل عن الحجز إلى لبنان فقال له موظف الحجز ان شابا حضر منذ قليل وقام بالحجز لك وقال انك ستأتى لتأخذ التذكرة !! وعندما وصل لبنان توجه إلى احد الفنادق ولم يكن معه نقود فكانت المفاجأة الثالثة عندما قال له موظف الحجز بالفندق ان شابا قد جاء وحجز غرفة لأحد الكهنة وقال ان الكاهن سوف يأتى بعد قليل !! وبعد ان مكث فترة فى الغرفة احس انه جائع .. فقال فى نفسه : انزل المطعم ويمكن الاقى حد سايب لى أكل .. قالها بكل بساطة وتسليم وعندما نزل إلى المطعم تقدم إليه الجرسون ليقول له تحب تأكل ايه يا ابونا ؟ الشاب اللى هناك ده دفع فلوس وقال انزلك الاكل .. فرفع عينه إلى الجهة التى يشير إليها فلم يجد احدا !! أما الجرسون فكان يؤكد له انه كان هناك شابا جالسا فى اللمكان الذى اشار عليه .. فقال له ابونا : نزل يا ابنى أكل على قد الفلوس اللى دفعهالك ..
وهكذا كانت رحلة عودته من القدس مليئة من رعاية ومعونة الرب الذى كان اتكال ابونا وتسليمه كله عليه ..
وبعد عودته من القدس عاد ليخدم فى الدير بمنتهى الامانة وكان يشرف على عدة اعمال بالدير والاراضى التابعة له وكان يهتم بكل هذا اهتماما فائقا وكان فى الوقت ذاته محافظاعلى طقسه الرهبانى اشد حفاظ ..
وبعد عودته من القدس بحوالى عام تمت ترقيته قمصا واوكلت إليه خدمة القرى المحيطة بالدير .
دعوة الأنبا مقار :
بعد نياحة اسقف ابوتيج كان يشرف على هذه الايبارشية نيافة الانبا ويصا اسقف البلينا ونظرا لقلة عدد الكهنة فى ذلك الوقت فقد طلب نيافته من نيافة الانبا ساويرس اسقف دير المحرق ( أطال الرب حياته ) احد رهبان الدير للخدمة فى مدينة ابوتيج فى مدة اسبوع الالام وعيد القيامة فقام نيافته بانتداب ابونا ثاؤفيلس للخدمة هناك ثم رجع إلى الدير .. وبعد رسامة الانبا اندراوس اسقف ابوتيج ( اطال الرب حياته ) طلب نيافته ان يستمر ابونا ثاؤفيلس فى خدمة دير الانبا مقار الاثرى بمدينة ابوتيج وهذا الدير زاره القديس الانبا مقار اثناء رجوعه من منفاه فى جزيرة فيلة وبعده عمر رهبان كثيرون واقيمت فيه كنيسة ثم ابتدأ مسيحيي المدينة دفن موتاهم حول هذه الكنيسة .
لم يكن بهذا الدير قبل مجئ ابونا ثاؤفيلس له اى نشاط يذكر سوى صلاة القداس الاهى يوم الأحد وكانت مبانى الدير والكنيسة متهالكة ولم يكن فيه انارة او مياه او اشجار وكان الحضرون من الشعب قليلون جدا ومعظمهم من كبار السن فقام الانبا اندراوس بتكليف ابونا ثاؤفيلس بالخدمة فى الدير وذلك فى سنة 1980 .. وبدأ ابونا خدمة شاقة تكاد توصف بالمستحيلة ولكنه بدا الخدمة بالصلاة مستشفعا بالعذراء والأنبا مقار .. بدا الخدمة بكل حب وعطاء وبدأ الناس يلتفون حوله والجميع يأتون إليه من كل مكان ويلتمسون المشاركة فى إعمار الدير وبدات ملامح تغيير كبيرا تطرأ على الدير وفى اثناء كل هذا كان ابونا ثاؤفيلس ينكر نفسه تماما قائلا : العدرا وابومقار هم اللى بيعملوا كل حاجة ، وكل حاجة بتحصل بصلوات سيدنا الانبا اندراوس . إحنا غلابة ومساكين وهم اللى عليهم المسئولية ..
ومن يزور دير الأنبا مقار بأبوتيج الان يعرف مدى التغير الذى تم فى المكان من ترميم للكنيسة الاثرية والمبانى وإقامة الاسوار والطرق الممهدة وتشجير المنطقة .. والأهم من ذلك هو تعمير الكنيسة بالخدمات الروحية للشعب والافتقاد والصلاة الدائمة وعلى الرغم من ان خدمته كانت فى دير يقع فى وسط المدينة ووسط العالم إلا انه لم ينسى يوما أنه راهبا مات عن العالم لكى يحيا مع المسيح ، فكان كل شئ يأتيه لا يقتنى منه شيئا بل يقوم بتوزيعه على المحتاجين وكان ناسكا من الطراز الاول فيقول عنه احباءه انه لم يكونوا يعلموا متى يأكل ابدا فهو دائم لا يسأل عن احتياجات الجسد حتى انه لم يكن يرتدى قلنسوة الرهبان الشهيرة بل عمة بسيطة حتى لا يعطيه اى احد التوقير اللازم للرهبان .. .. اما عن صلاته فكانت اندماج مع الله فى الحديث لدرجة البكاء ، كان يعرف ان الصلاة هى صل بيننا وبين الله وكان يهتم باقامة القداسات اليومية اهتماما بالغا لأنها كانت غذاء نفسه وشبع روحه ..
شفافية غريبة : كان ابونا ثاؤفيلس مشهور بشفافيته جدا لدرجة اذهلت كل ما تعمل معه فقد كان يعرف عن اشياء فى حياة الناس لا يعرفها اى احد وينبأهم باشياء ستحدث فى المستقبل فكانت تحدث كما قالها بالضبط :
1 – ذات مرة حدثت سيول فى الاقصر وقرأ ابونا هذا الخبر فى الصحف فقال : اسيوط هيحصل فيها كدة .. وبعده بأقل من اسبوع حدثت سيول فى اسيوط .
2 – يقول احد رهبان دير المحرق انه كان دائم التردد على ابونا ثاؤفيلس قبل رهبنته فقال له ابونا ذات مرة : يا ابنى انت هتدخل الدير فى يوم تاريخه هيكون رقم 7 مكرر 3 مرات .. وبعد فترة طويلة كنت قد نسيت هذا الحديث ترهبنت بالفعل وبعد الرهبنة جلست فى قلايتى اتذكر يوم دخولى الرهبنة حتى اعمل لهذا التاريخ تذكار لشكر الله على نعمته فوجدت التاريخ هو 7 / 12 / 1977 فتذكرت على الفور ما قاله لى ابونا ثاؤفيلس .
3 – حدث ان احد محبيه قد انجب ثلاث بنات وكان يريد ان ينجب ولدا فعندما جاء إلى ابونا ثاؤفيلس ليعمد البنت الثالثة قال له ابونا : هتشيل اخوهم وهتعمده هنا .. وبعد مرور سنوات على هذا الكلام وتأخر مجئ الحمل عرفت زوجته انها حامل .. وبالفعل انجبت ولدا وعند تعمبده اخذه والده إلى ابونا ثاؤفيلس الذى بادره بقوله مش قلتلك هتشيل اخوهم وهتعمده هنا ..
4 – جاء اليه ثلاثة من الشباب ليأخذوا بركته فقال لاحدهم : انت هتبقى مهندس وهتروح الدير تشرف على الانشاءات .. وقال للأخر : انت هتبقى دكتور وهتروح الدير تعالج الرهبان .. وقال للثالث : وانت هتبقى صيدلى بس هتتجوز وتنجب اولاد وربنا يباركلك فيهم .. وبعد مرور السنوات حدث ما قاله ابونا بالتحديد فالاول صار مهندسا ثم ترهبن وصار يشرف على انشاءات الدير والثانى صار طبيبا وترهبن وصار يعالج الرهبان والثالث صار صيدليا وتزوج وانجب ابناء ..
ذات يوم شعر ابونا بمغص شديد فى الكلى فأحضروا له طبيب الوحدة الصحية القريبة من الدير وبالكشف عليه تبين وجود حصوة بالحالب فأعطاه الطبيب بعض المسكنات وطلب منه الذهاب للمستشفى لاستكمال الفحوص وقد يصل الأمر إلى اجراء عملية جراحية فقال ابونا : العدرا هتتصرف عشان جرس صلاة نصف الليل .. وبالفعل تحركت الحصوة نحو اتجاه مجرى البول وخرجت وشفى ابونا تماما وقان بدق جرس الدير بنفسه .. وعندما جاء الطبيب فى صباح اليوم التالى قال له ابونا : اتفضل يا دكتور الحصوة اهية . مش قلتلك العدرا هتتصرف .. وكانت دهشة الطبيب عظيمة عندما رأى الحصوة وتعجب كيف خرجت وهى بهذا الحجم وطلب من ابونا أن يصلى من أجله .
نياحته : كان ابونا ثاؤفيلس مشتاقا جدا ليوم الانتقال وكان دائما ما يقول للأنبا اندراوس عايز اجيب صندوق موتى واحطه قدامى عشان افتكر الموت كل يوم .. وقبل نياحته بايام وكان مريضا بمستشفى سانت ماريا التابعة لدير المحرق جاءه احد ابنائه الروحيين ومعه مفتاح صندوق الكنيسة قال له : خلاص خلى المفتاح معاك علطول .. انا خلاص ..وفى ليلة نياحته جاءه هذا الشخص ليعطيه العلاج فقال له ابونا : خلاص مش هاخد البرشام تانى ..
وفى صباح يوم الاربعاء 28 يناير 2004 انطلقت روحه الطاهرة من قيود هذا الجسد لتبدأ حياتها فى الابدية حاملة معها أعمال عظيمة لرجل بار وهب حياته لمخلصه ولكنيسته فاستحق الاكليل السماوى المعد لأبناء الله .. وبعد ان ان انتشر خبر نياحته فى مدينة ابوتيج والبلاد المحيطة بها توافد الالاف على الكنيسة التى وضع بها جسده الطاهر وبعد الصلاة عليه والتى كانت بمنتهى الصعوبة فى ظل هذا الجمع الذى لم ترى له المدينة مثيلا من قبل بدأت رحلة عودة هذا الرجل البار إلى ديره كحسب وصيته ان يدفن فى دير المحرق فتحركت السيارة التى تقل جسده بمنتهى الصعوبة حتى وصلت إلى الدير بعد وقت طويل للغاية رغم قرب المسافة بين ابوتيج والدير المحرق وهناك استقبل الرهبان جسد الأب البار بصلوات حزينة ممزوجة بالفرح لاستقبالهم ضيفا سماويا وبعد الصلاة عليه مرة اخرى فى الدير حمل الاباء جسده الطاهر ووضعوه فى طافوس الدير .
وبعد فترة واثناء احتفال الدير بعيد نياحة القمص ميخائيل البحيرى تم فتح الطافوس والصندوق فوجد الاباء جسد ابونا ثاؤفيلس كما هو لم يطرا عليه اى تغيير بل وتنبعث منه رائحة عطرة جميلة .. كذلك شاهد الكثيرون انورا كثيرة تضئ على القبر من حين لأخر تشهد بأن الجسد الراقد فى هذا القبر هو جسد لرجل أكرم الرب فى حياته فأكرمه الرب بعد انتقاله ..
صلاته تكون معنا امين
المراجع : كتاب صخرة ايمان من جبل قسقام / إعداد بناء ومحبى القمص ثاؤفيلس المحرقى