المزمور السادس والثلاثون
شر الإنسان وصلاح الله
نقرأ فى المزمور السابق عن داود كخاد الرب ، أما فى هذا المزمور فيتحدث المرتل عن الإنسان الشرير وتغربه عن الله .
يحوى هذا المزمور متناقضات قوية ، فيبرز الإنسان فى منتهى فساده والله فى كماله المتعدد الجوانب .
حسب النص السريانى يشير هذا المزمور إلى اضطهادات شاول لداود النبى .
سمات الشرير :
أبرز المرتل سر شر الشرير وسماته فى النقاط التالية :
1 – فساد قلبه :
لا يستطيع الشرير أن يعتذر بعلل خارجية ، فإن شره نابع عن فساد قلبه أو طبيعته الداخلية ، إنه يحمل فى حضنه إيحاء بالشر . طبيعته الساقطة هى مصدر الشر وأساسه .
وكما أوضح السيد المسيح ذلك بقوله : " لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف " مت 15 : 19 . ويقول المرتل فى إفتتاحية هذا المزمور :
" يقول مخالف الناموس أنه يخطىء فى ذاته " [ 1 ] .
ويقول النبى إرميا : " القلب أخدع من كل شىء وهو نجيس من يعرفه ؟! " 17 : 9
2 – لا يحمل خوف الله :
" ليس مخافة الله أمام عينيه " [ 1 ] .
كثيرا ما تحدث المرتل عن " مخافة الرب " بكونها رأس الحكمة ومصدر البركة ، وقد ميز بين مخافة المبتدئين ومخافة الكاملين ، أو بين مخافة العبد ومخافة الإبن .
عندما تنزع " مخافة الله " من أمام القلب ، أو من أمام البصيرة الداخلية أو عينى النفس ، يتهيأ الإنسان لأقتراف أى شر .
3 – مخادع لنفسه :
" لأنه صنع الغش قدامه ، ليظفر بإثمه فيبغض " [ 2 ] ، أو " لأنه ملق نفسه لنفسه " .
كثيرا ما يقدم سفر المزامير الإنسان الشرير كمخادع ينتسب للشيطان المدعو " الكذاب " ، و " أبو الكذابين " ، أما البار فيحمل حق المسيح ، وينتسب للحق ذاته .
الإنسان الشرير فى غشه لا يخدع الآخرين فحسب ، وإنما يخدع نفسه أيضا ، يتملق نفسه بنفسه من جهة إثمه وبغضه ، مموها الحقائق ، إذ لا يكون إثمه ممقوتا فى عينيه ، حيث يغلفه بثوب الفضيلة .
4 – إرادته شريرة :
" لم يرد أن يفهم ليعمل الخير " [ 3 ] . إنه يتوقف عن أن يتعقل أو يفهم ، لأنه يريد ألا يعمل خيرا . هنا يعلن المرتل مسئولية الشرير الكاملة عن عدم ممارسته الخير .
5 – محب للظلمة أكثر من النور :
" فكر إثما فى مضجعه " [ 4 ]
إذ أخطأ داود النبى صار يعوم كل ليلة سريره بدموعه ، أما الشرير فيحيك الشرور فى الليل على فراشه ، لا ينام حتى يفعل السوء .
يتأمل الصديق فى الله طول النهار ، فيحمل معه أفكارا مقدسة تضىء حياته حتى فى أحلام يقظته وأحلامه ، أما الشرير فيحمل معه فى فراشه قلبا مظلما ، يخطط فى الشر ، ويفكر فيه حتى فى نومه .
أفكارنا ونحن على مضجعنا كثيرا ما تعبر عما تحمله قلوبنا طوال النهار ، وتعكس اشتياقاتنا الخفية .
6 – يكره الصلاح :
" وقام فى كل طريق غير صالح ، وعن الشر لم يعرض " [ 4 ]
فى الظلمة يفكر فى الشر على سريره ، وفى النهار يقوم فى كل طريق غير صالح ، لهذا لا يعرض عن الشر لأنه لا يكرهه بل يحبه . فى الليل تأسر الخطية أفكاره ، وفى النهار يتمم مشورتها بسلوكه .
ميثاق الله [ 5 – 11 ]
بعدما تحدث عن أسباب الشر الخفية وسمات الشرير يفتح المرتل أبواب الرجاء لكل نفس تتمتع بميثاق الله ومراحمه .
1 – مراحم الله وعدله سمائيون :
" يارب فى السماء رحمتك وبرك إلى السحاب ( الغمام ) " [ 5 ] .
يقوم ميثاق الله مع كنيسته على أساس مراحمه الجزيلة غير المنفصلة عن عدله أو بره .
مراحمه سماوية وبره يبلغ إلى السماء ...
2 – ثبات عدل الله وقوة أحكامه :
" عدلك مثل جبال الله ،
أحكامك مثل العمق العظيم " [ 6 ] .
إن كانت خطايانا قد نزلت بنا كما إلى لجة عظيمة ، إلى أعماق الهاوية ، فإن أحكام الله أو تدابيره لا ترفعنا فقط من العمق ، وإنما تهبنا بره فنصير جبال الله العالية التى يشرق عليها شمس البر ويمطر عليها بنعمته فيكسبها خصوبة وجمالا .
3 – شمول مراحمه :
" الناس والبهائم تخلصهم يارب " [ 6 ]
تستعلن مراحم الله غير المتناهية من خلال عنايته التى تحتضن الناس والحيوانات .
ربما يقصد بالناس " المؤمنين " ، وبالبهائم " الأشرار " الذين تركوا لشهواتهم الجسدية العنان فصاروا أشبه بالحيوانات غير العاقلة .
4 – فيض حنوه :
" مثل ما أكثرت رحمتك يا الله .
وبنو البشر فى ظل جناحيك يحتمون " [ 7 ]
تصوير الأحتماء بظل جناحى الله مستمد من :
أ – جناحى الكاروب اللذين يغطيان تابوت العهد ، حيث اعتاد الله أن يتحدث مع شعبه .
ب – جناحى الدجاجة التى تحمى فراخها .
استخدم بوعز ذات التصوير فى حديثه مع راعوث ( راعوث 2 : 12 ) . كما استخدمه ربنا عن أورشليم ( مت 23 : 37 ) حيث كشف باتضاعه وحبه الشديد عن حنوه لبنيه وشوقه إلى خلاصهم .
5 – ينبوع الحياة :
" ومن دسم بيتك يسكرون ،
ومن وادى نعيمك تسقيهم ،
لن ينبوع الحياة عندك " [ 8 ، 9 ] .
فى بيت الرب – الكنيسة – ينتعش المؤمنون الحقيقيون بخمر الحب الإلهى ، يمتلئون فرحا وبهجة ، ويرتوون ، فلا يعطشون بعد إلى ينابيع الشهوات الأرضية والملذات الزمنية ومباهج الحياة . يجدون فى المخلص سر فرحهم الحقيقى وبهجتهم وارتوائهم !
6 – النور
" بنورك نعاين النور " [ 9 ] .
يشير هنا إلى الروح القدس واهب الأستنارة .
" لأن ينبوع الحياة عندك ، وبنورك نعاين النور " يتحدث المرتل هنا عن الثالوث القدوس .
الإبن هو ينبوع الحياة الذى عند الآب وواحد معه .
الروح القدس هو نور الآب ( بنورك ) الذى به نعاين الآب والإبن ( النور ) !
" فابسط رحمتك على الذين يعرفونك ،
وعدلك على المستقيمى القلوب ،
لا تأتنى رجل الكبرياء ،
ويد الخطاة لا تحركنى " [ 10 ، 11 ] .
يطلب المرتل عدل الله للمستقيمى القلوب الذين يخضعون لإرادته الإلهية حتى لا يعوج قلبهم بسبب تجربة ما أو فى الفرج . يكلل المستقيمون بالأكثر وسط الضيقات ، إذ لا يكفوا عن تسبيحه ، قائلين مع المرتل المتألم المسبح ، " أبارك الرب فى كل حين ، تسبحته دائما فى فمى " .
سقوط الشرير تحت اللعنة :
يختتم المزمور بتأكيد سقوط الأشرار المصرين على شرهم تحت اللعنة ، فيسقطوا فى ذات البفعة التى أرادو أن يسقطوا فيها أولاد الله .
" لأن هناك سقط عاملوا الإثم ،
دفعوا فلم يستطيعوا قياما " [ 12 ] .
الأشرار يسقطون ولا يقومون ، لكن أبواب التوبة تبقى مفتوحة .
+ + +
المزمور السابع والثلاثون
الودعاء يرثون أرض السلام
يظهر من الآية 25 أن داود النبى وضع هذا المزمور فى شيخوخته ، بعد سنوات طويلة من الخبرة ، والتأمل فى قضيته مع شاول الملك ونابال وأبشالوم واخيتوفل وغيرهم . يرى بعض الدارسين أنه نظمه قبل نياحته بثلاث سنوات .
أراد داود النبى أن يجيب على السؤال المحير فى أيامه بل وفى كل العصور ، وهو : لماذا ينجح الأشرار ويتألم الأبرار ؟!
هذا السؤال يحير الكثيرين ، لكن الإجابة تصير سهلة إن تخطى القلب العالم المنظور ليرى ببصيرته الداخلية أمجاد الأبدية المعدة للمتألمين ظلما ، فلا يفكر البار فى حسد الأشرار ، ولا يتحطم بسبب ما يواجهه من الآم ومتاعب . يعطى هذا المزمور للقلب سلاما ، وينزع عن النفس كل تذمر ، حيث يدرك المؤمن معاملات الله معه .
مزمور نبوى عظيم يكشف عن غنى البركات الممنوحة لكنيسة العهد الجديد ، إن لم يكن المزمور بكامله يتحدث عن شخص السيد المسيح ، فموضوعه الرئيسى هو المسيح . يشبه البعض كلماته بأحجار كريمة أوحبات لؤلؤ مصفوفة معا فى خيط واحد لتصنع عقدا ثمينا .
الوصية الأولى : عدم حسد الأشرار على نجاحهم الزمنى :
" لا تغر من فاعلى الشر ،
ولا تغر من عاملى الإثم ،
فإنهم مثل العشب سريعا يجفون ،
ومثل بقول الخضرة عاجلا يسقطون " [ 1 ، 2 ] .
يبدأ المزمور بنصح الأبرار ألا يغيروا من الأشرار ، مؤكدا لهم أن يوم مجازاتهم آت لا محال ، حينما يحاسبهم الله يجفون مثل العشب ويسقطون كبقول الخضرة ، يطلب المرتل من الأبرار ألا يهتزوا عند رؤية الأشرار حتى لا يتمثلوا بهم .
الوصية الثانية : تركيز النظر على الله وسكنى بيته :
" اتكل على الرب واصنع الخير ،
واسكن على الأرض وارتع من ثروتها " [ 2 ، 3 ] .
ربما يسأل إنسان : كيف لا أغر من الأشرار الذين ينجحون بينما يتألم الأبرار ؟
تأتى الإجابة هنا : الإيمان بالله والتمتع بالحياة الكنسية الغنية بثروتها الروحية ! فى الوصية الأولى يحذرنا من الغيرة والحسد بسبب نجاح الأشرار ، أما هنا فيقدم لنا الجانب الإيجابى : الأرتماء فى أحضان الله والتمتع ببركات الحياة الإنجيلية الكنسية .
الوصية الثالثة : الفرح بالرب
" افرح بالرب فيعطيك مطلوبات قلبك .
اكشف للرب طريقك ،
واتكل عليه وهو يصنع " [ 4 ] .
مع كل وصية ترتفع النفس فى طريق الإيمان ، ففى الأولى تبدأ بالجانب السلبى بعدم حسد الأشرار بسبب ازدهارهم الزمنى ، والثانية تتكىء النفس على صدر عريسها السماوى وممارسة الحياة الكنسية الروحية بكونها عروس السماوى ، وأما الثالثة فتتلذذ النفس بعريسها الرب ، تعطيه قلبها وتطلبه شبعا لقلبها فلا يبخل عليها بمطلوبات واشتياقات قلبها .
الوصية الرابعة : إلقاء الهم على الله :
" اكشف للرب طريقك واتكل عليه وهو يصنع .
ويخرج مثل النور عدلك ( برك ) ،
ومثل الظهيرة أحكامك ( حقك ) [ 5 ، 6 ] .
إذ نجد فى الرب بهجتنا ولذتنا ، يليق بنا أن نصارحه بكل مخاوفنا وهمومنا وكل أمورنا الكبيرة والصغيرة وهو يصنع أو يجرى كل حياتنا حسب مشورته الصالحة .
إذ نؤمن بالله فى حياتنا العملية اليومية لا نخف الغيوم المحيطة بنا ، بل نثق فى شمس البر المختفى وراءها ، هذا الذى يشرق على مؤمنيه الأتقياء ليعلن براءتهم وحقهم .
الوصية الخامسة : الخضوع للرب :
" اخضع للرب وتضرع إليه ،
ولا تغر من الذى طريقه ناجحة فى حياته .
بإنسان يصنع الإثم " [ 7 ]
إذ يستنير الإنسان بنور الصليب كما فى الظهيرة يدرك كمال حبه ورعايته فيخضع له تماما ولا يرتبك لا بنجاح الشرير ولا بمكائده . من ينشغل بصليب رب المجد لا يتذمر حتى إن بدت خطط الأشرار ناجحة ، فإن الله المخلص صانع خيرات يحول حتى شرور الأشرار لخلاصنا ، كما حول مقاومة اليهود لخلاص العالم ، وخيانة يهوذا لتحقيق الصليب .
الوصية السادسة : الكف عن الغضب :
" كف عن الرجز ( الغضب ) ، ودع الغضب عنك ،
لا تغر لئلا تخبث .
لأن الخبثاء يستأصلون .
والذين يصطبرون للرب هم يرثون الأرض ،
وأيضا بعد قليل لا يوجد الخاطىء ،
وتلتمس مكانه فلا تجده .
أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون بكثرة السلامة " [ 8 – 11 ] .
إن كان الأشرار ماكرين وخبثاء ، يليق بالأبرار ألا يغضبوا لئلا يسقطوا فيما يسقط فيه الأشرار بفقدانهم الصبر والوداعة .
يقدم المرتل أفضل تعريف للودعاء ، إنهم أولئك الذين اختاروا طريق الإيمان بصبر عوض الإتكال على الملذات ، هذا الطريق تتضح معالمه تماما فى العبارات التالية . بينما العالم يموج بالأهتمام بما لا طائل منه ولا نفع له ، يمضى الودعاء فى سلام عجيب عابرين من الأرض إلى السماء . لا تمتلىء قلوبهم بالتذمر ولا الغضب وبالتالى لا موضع للخبث فيهم ، لهم سلام الله كعربون لكمال التطويب الأبدى .
" فم الصديق يتلو الحكمة ،
ولسانه ينطق بالحكم .
ناموس الله فى قلبه ،
ولا تتعرقل خطواته " [ 30 ] .
لم يسبق أن صادفتنا كلمة " الحكمة " فى سفر المزامير من قبل ، وهى تشير إلى معرفة الإرادة الإلهية والأمور المقدسة الصادرة عن كلمة الله ، بسكنى روحه القدوس وخلال خبرة الشركة مع المخلص .
عطية الله أن يتمتعوا بالسيد المسيح عاملا فى فمهم وعلى لسانهم وفى قلوبهم وسلوكهم ، إذ هو الحكمة التى يتلوها الصديق ، وهو العدل ( الحكم ) الذى ينطق به لسانه ، وهو ناموس الله المتجلى فى قلبه وقائد خطواته .
+ + +
المزمور الثامن والثلاثون
مزمور التوبة الثالث
هذا المزمور هو مرثاة شخصية ، وأحد مزامير التوبة السبعة
كان داود النبى فى ضيقة شديدة ، وقد بلغت آلامه ذروتها . وقد أظهر المزمور أن أمورا أربعة ثقلت من آلامه .
- مرض خطير حاق به سيطر على كل اهتمام آخر فى المزمور [ 5 – 8 ] .
- حرمانه من أصدقائه المقربين إليه جدا [ 11 – 14 ، 19 ، 20 ] .
- تعرض أيضا إلى اضطهادات مارسها ضده أعداء خبثاء قاتلين [ 12 ، 19 ] ، خضع لأتهاماتهم الباطلة فى صمت [ 13 الخ ] ، واثقا فى رحمة الله له .
- تألم بالأكثر بسبب شعوره بالخطية ، حيث يعترف بها صراحة أمام الله [ 4 ، 8 ] . أحس كأن إثمه قد ابتلعه [ 4 ، 5 ] ، مع إحساسه بأن ما صنعه من خير قوبل بالشر [ 20 الخ ] .
على أى الأحوال رجع إلى الله وصرخ دون يأس ، مترجيا رأفات الله .
لم يجد أمامه من يلجأ إليه لينال عونا سوى الرب وحده القادر أن يحطم أسباب غباوة الماضى والبؤس الحاضر وفاعلتهما .
" يارب لا تبكتنى بغضبك ،
ولا برجزك تؤدبنى " [ 1 ]
نفس الكلمات الواردة فى افتتاحية مزمور التوبة الأول ( مز 6 : 1 ) ، ومع التشابه الشديد لكن الكلمات فى النص العبرى ليست متماثلة تماما .
المزمور 6 المرتل لا يسأل الله ألا يبكته وإنما ألا يبكته بغضبه . فهو محتاج إلى توبيخ الله بعنايته الإلهية لا بسخطه .
بسبب الخطية نخشى سخط الله وغضبه ، لكن بتطلعنا إلى أبوته الحانية نرى فى تأديباته حبا ورعاية : " يا ابنى لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه ، لأن الذى يحبه الرب يؤدبه وكأب بإبن يسر به " أم 3 : 11 .
" لأن سهامك قد انغرست فى ،
وثقلت على يدك " [ 2 ] .
يشعر داود النبى أن آثامه قد طمت فوق رأسه ، وأن سهام المعركة قد طعنت ضميره ، انغرست فيه سريعا ، فأدرك أن يد الله القدوس تضغط عليه بالتأديب .
ما هى سهام الله إلا تأديباته النابعة عن حبه لنا ، تجرح لا تهلك ، بل لتفرز الحق عن الباطل ، ولتلهب النفس نحو الحياة الجديدة المقدسة فى الرب فتصير مجروحة حبا ( نش 2 : 5 ، 5 : 8 ) .
تجرح قلوبنا بسهام الله لنختبر حياة التوبة من أعماق القلب ويتقد حبنا لله مخلصنا .
نزلت عليه يد تأديب الرب وأصابه المرض بسبب خطيته ، فلم يكن فى جسده صحة ، وصار ينوح طول النهار ، وأمتلأ تعبا وتمزقا ، صار سقيم النفس والجسد ، فى مذلة ، يشعر بضيق شديد .
" قد نتنت وقاحت جراحاتى من قبل جهالتى " [ 5 ]
الرجوع إلى الله [ 9 – 15 ]
" أمامك هى كل شهوتى ،
وتنهدى عنك لم يخف " [ 9 ] .
هنا الأستغاثة إلى الله كلى المعرفة ، الذى يسمع التنهدات الخفية . الله هو الطبيب القادر وحده أن يسمع ويرى الخفيات ، يرى المرض الدفين ، وقادر أن يشفى النفس والجسد . إن كان الإنسان قد انكسر قلبه بسبب الخطية يتقدم الرب نفسه إليه كطبيب ومخلص !
الثقة فى مواجهة الأعداء [ 16 – 22 ]
بالتوبة واجه المرتل أعداءه لا بقدراته الذاتية وإنما بإمكانيات الله .
" لأنى قلت لئلا تفرح بى أعدائى ،
وعند زلل قدمى عظموا على الكلام .
أما أنا للسياط فمستعد ،
ووجعى مقابلى فى كل حين " [ 16 – 17 ] .
لقد صمت المرتل أمام أعدائه متشبها بسيده الذى قيل عنه : " كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه " إش 53 : 7 ،
لكنه لم يصمت أمام الله ، إذ يترنم هكذا : " لأنى قلت : لئلا تفرح بى أعدائى " .
ما يفعلونه بالأبرار إنما هو امتداد لما صنعوه بواهب الخيرات نفسه ، محب البشر ، إذ يقول المرتل على لسانه :
" رفضونى أنا الحبيب مثل ميت مرذول ، ومساميرا جعلوا فى جسدى " [ 20 ]
قدم حبا فقدموا له رفضا كميت مرذول ، وعوض خيراته سمروا جسده على خشبة الصليب .
الآن يتحدث المخلص المرفوض باسم كل مؤمنيه أعضاء جسده المشاركين له فى آلامه ، قائلا :
" لا تهملنى ياربى وإلهى ، ولا تتباعد عنى .
التفت إلى معونتى يارب خلاصى " .
من يلتصق بالمصلوب لا يعرف اليأس ، إذ يرى الرب معين خلاصه ، لا يهمله بل يلتفت إليه ليقيمه .
قد تبدو الظروف الظاهرية كلها ضدنا ، لكن الله قادر أن يغير ما هو ظاهر
+ + +