المزمور الخامس والأربعون
تسبحة العرس
للمسيا الملك المحارب
مزمور ملكى مسيانى
أحد المزامير الملوكية يتناول مراحل عدة فى الحياة الملوكية . وهو يصف احتفالا لعرس ملوكى ، لا يمكن تطبيقه على أى زواج بشرى ، إنما ينطبق على العرس الروحى بين السيد المسيح الملك وكنيسته .
المزامير الثلاثة السابقة مزامير الألم الذى يعانى منه الأفراد كما الجماعة ، تليها مزمور المجد هذا الملوكى ، وله غاية نبوية ، إذ يكشف عن المسيح الملك وعروسه الكنيسة .
المزمور 45 فى الطقس القبطى
يتلى هذا المزمور أو يسبح به فى صلاة الساعة الثالثة حيث نذكر عطية الروح القدس . فإن الروح الذى وهب الأنبياء أن يتنبأوا عن هذا الملك المسيا المحارب لحساب البشرية ، والذى هيأ القديسة مريم للتجسد به ... هو الذى حل على الكنيسة فى يوم البنطقستى ( العنصرة ) ليعطى التلاميذ قوة الكرازة والشهادة له كعريس محب للبشر .
طوال شهر كيهك حيث تستعد الكنيسة لعيد الميلاد المجيد بالتسابيح ، تبدأ التسبحة بالهوس الكيهكى الذى يضم فقرات كثيرة من هذا المزمور ، فإن غاية التسبحة الكيهكية هى حث كل نفس لأستقبال طفل المزمود كعريس للنفس قادر وحده أن يدخل بها إلى المعركة ليهبها نصرته ويعطيها إكليله ويحسبها عروسا وملكة غالبة ومنتصرة .
وفى أعياد القديسة مريم حيث نرى فيها العضو الأول فى الكنيسة ، ومثالا حيا لكل نفس تنعم بالعضوية الكنسية تقتطف الكنيسة بعض فقرات من هذا المزمور لتسبح بها حيث تبعث فى أولادها الشوق الحقيقى للعرس الأبدى .
وتستخدم فقرات منه فى ليتورجية الزواج بكون سر الزواج هو ظلا للعرس الأبدى بين الله الكلمة والكنيسة ، يستمد العروسان حبهما ووحدتهما من الحب المشترك بين المسيح وكنيسته .
" فاض قلبى بكلام صالح " [ 1 ]
يرى بعض الآباء فى عبارة " فاض قلبى كلمتى الأسمى " ( الترجمة السبعينية ) شهادة عن ولادة الإبن من الآب ، بكونه المولود من القلب ، من ذات الجوهر ومساو له ، إنه الكلمة الذى يفيض به قلب الآب .
" فاض قلبى بكلام صالح ،
إنى أخبر الملك بأفعالى ،
لسانى قلم كاتب ماهر " [ 1 ] .
يشعر المرتل وقد رأى بعينى النبوة عرس السيد المسيح المصلوب بفيض فى داخله ، كأن لهيب نار من الحب قد اتقد فى أعماقه ، فصار لسانه يشترك مع كل كيانه فى التعبير عن هذا العرس الفريد .
وقف المرتل أمام المسيح العريس فأخبر بحياته وسلوكه عن هذا العرس ، وصار لسانه قلم كاتب ماهر .
ماذا رأى المرتل فى العريس السماوى ؟
+ إنه كلمة الآب المولود منه أزليا !
+ أبرع جمالا من بنى البشر !
+ شفتيه تفيضان نعمة ورحمة وحنانا !
إنه ملك محارب محب ، يدخل المعركة لحساب عروسه !
+ يرتبط سيفه بجماله ، به يبتر كل ما هو قبيح فينا !
+ عجيب فى عدله وفى حبه !
+ كرسيه أبدى !
+ مسحته مبهجة !
+ ثيابه رأئحتها ذكية !
+ عروسه سماوية محبوبة جدا لديه ومكرمة !
+ يتعبد له الأمم !
+ يدخل بشعبه إلى هيكله !
+ يقيم ملوكا ورؤساء !
+ موضوع تسبيح الشعوب !
مجد الملك
تطلع المرتل إلى العرس فرأى عريسا فريدا ليس من وجه للمقارنة بينه وبين بنى البشر ، فقال :
" إنك أبرع جمالا من بنى البشر " [ 2 ] .
كتب القديس أغسطينوس يتغنى بربنا يسوع المسيح بكونه أبرع جمالا من بنى البشر :
[ إنه جميل فى السموات بكونه الكلمة مع الله ( الآب ) ،
جميل على الأرض وهو متسربل بالطبيعة البشرية ،
جميل فى الرحم ، وجميل بين ذراعى والديه ،
جميل فى المعجزات ، وجميل فى جلده بالسياط ،
جميل فى منحه الحياة ، وجميل فى عدم رفضه الموت !
جميل فى بذله ذاته ، وجميل فى أخذها ثانية ،
جميل على الصليب ، وجميل فى القبر ، وجميل فى عودته إلى السماء ]
+ لماذا ( لم يقل ) : أبرع جمالا من الملائكة أيضا ؟ ..... إلا لأنه صار إنسانا ! حتى وهو إنسان هو أبرع جمالا من بنى البشر . ومع كونه حالا بين بنى البشر وقد صار منهم ... إلا أنه أبرع جمالا من بنى البشر !
لا يفهم الجمال هنا بمعنى مادى أو جسدانى بل بمفهوم روحى .
" انسكبت النعمة من شفتيك ،
لذلك باركك الله إلى الدهر " [ 2 ] .
يقول القديس باسيليوس الكبير : إن النبى إذ تفرس فى بهاء مجد لاهوت الإبن نطق بهذا القول مشتاقا إلى جمال لاهوته ، وقد فاضت النعمة على شفتى الإبن ، كما جاء فى الإنجيل المقدس أن الجموع كانت تتعجب من كلمات النعمة الخارجة من شفتيه ( لو 4 : 22 ) ، فقد كان يجتذب سامعيه بفرح ويقنعهم ويقودهم إلى التلمذة له ، حتى أنه فى مدة يسيرة انتشر كلامه بكرازة الإنجيل فى كل المسكونة .
لقد أدرك معلمنا بطرس الرسول قوة كلماته وفاعليتها ، فقال : " إلى من نذهب ؟! كلام الحياة الأبدية " يو 6 : 68 . وتتحدث الكنيسة فى سفر النشيد عن جاذبية كلمة المخلص ، قائلة : " اجذبنى وراءك فنجرى " نش 1 : 2 .
" تقلد سيفك على فخذك أيها القوى ،
بحسنك وجمالك استله وانجح وأملك " [ 3 ] .
نلاحظ هنا :
1 – لا يمكن أن يكون الحديث هنا خاصا بالملك سليمان الذى كان رجل سلام لا قائد حرب .
2 – يربط المرتل بين جمال الملك المحارب واستلاله السيف لينجح ويملك ، الأمر الذى لا ينطبق على أى إنسان محارب ، لأنه أى ارتباط بين جمال الإنسان وقدرته على الحرب ؟! واضح هنا أن الحديث خاص بمعركة الصليب ، فإن ربنا يسوع المسيح قائد حربنا الروحية ضد عدو الخير إبليس ، والذى وحده بلا عيب ، كلى الجمال ، يستل سيفه كعريس سماوى جميل ليقتل فينا ما هو قبيح ، أى فسادنا ، وبهذا يقيم مملكته فى قلوبنا ، معلنا ذاته أنه الحق والوداعة والبر .
الجمال هنا هو جمال القيامة .. حقا إن جمال المسيح مقدس ، إذ كتب عنه بكونه المقام : " أبرع جمالا من بنى البشر " ، فإنه بكر الراقدين وقرناه كقرن وحيد القرن .
إن كان سيفه هنا هو صليبه الذى به سحق الشيطان وكسر شوكة الموت وغلب الجحيم ، لذا يراه المخلصون " قوة الله " 1 كو 1 : 18 ، وقيل عنه : " إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارا ظافرا بهم فيه ( فى الصليب ) " كو 2 : 15 ، فإنه بقيامته قد بررنا ، أى وهبنا بره فصار لنا جمال قيامته ! بمعنى آخر نفسر كلمات المرتل : " بجمالك استله وانجح واملك " هكذا : " يا بكر الراقدين ، استل سيف الصليب ، واضرب به إنساننا العتيق الفاسد ، فننعم بقوة قيامتك وبهجتها ، أى نحمل جمالها فينا ، بهذا تملك فينا وتنجح كلمة كرازتك ! " .
3 – سيف المسيح هو صليبه واهب الحياة المقامة ، وهو أيضا كلمته ، إذ قيل : " لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته " عب 4 : 12 ، " سيف الروح الذى هو كلمة الله " أف 6 : 17 . وقد استخدم السيد المسيح كلمات الكتاب المقدس فى معركته مع إبليس فى التجربة ( مت 4 : 4 ، 7 ، 10 ) . وقيل عنه : " وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه " رؤ 1 : 16 .
4 – يحمل السيد المسيح سيفه على " فخذه " ، الذى هو كناية عن ناسوته . إن قلنا أن السيف هو الصليب ، فإنه بالجسد قد حمل الرب صليبه ليذل إبليس .
5 – قيل : " تقلد سيفك على فخذك أيها القوى " . إن كان الفخذ يشير إلى التجسد الذى به أخلى الكلمة ذاته ، وصار فى الجسد كضعيف ، لكنه كما نترنم فى الجمعة العظيمة قائلين : " يا من أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة ! " لهذا يدعوه المرتل : " أيها القوى " ، أو " أيها الجبار " . أى قوة أو جبروت أعظم من تحطيم قوى إبليس وهدم مملكته بصليب الرب ؟!
إذ يستل الرب سيف صليبه ليضرب بقوة عدو الخير ، وينجح ويملك إنما يقيم مملكة الحق والوداعة والعدل :
" من أجل الحق والدعة والعدل ،
فتهديك بالعجب يمينك " [ 4 ] .
إن كانت مملكة إبليس تقوم على الباطل ( الكذب ) والكبرياء والظلم ، فقد تجسد الكلمة وصلب لكى يحطم بالحق والوداعة والعدل مملكة الظلمة ويقيم مملكة البر الإلهى فى داخلنا .
" نبلك مسنونة أيها القوى ،
الشعوب تحتك يسقطون فى قلب أعداء الملك " [ 5 ] .
ما هى نبل السيد المسيح إلا الكرازة بالصليب التى اخترقت القلوب وجرحتها بالحب ، وألهبتها بروح القوة التى لا تعرف الفشل أو اليأس . لقد أصابت القلوب التى كانت فى عداوة مع الملك العريس ، فخضعت له بالإيمان وسجدت له فى طاعة عجيبة ، تتمتع بالحياة الجديدة .
إعلان ملكوته
" كرسيك يا الله إلى دهر الدهور .
قضيب الأستقامة هو قضيب ملكك .
لأنك أحببت البر ، وأبغضت الإثم .
من أجل هذا مسحك الله إلهك بزيت البهجة أفضل من رفقائك .
المر والميعة والسليخة من ثيابك .
من المنازل الشريفة العاج التى منها ابتهجت " [ 6 – 8 ] .
يتطلع المرتل إلى المسيا الملك الغالب بصليبه ، الذى يقدم دمه الثمين كفارة عن خطايا العالم ، ومهرا لعروسه الملكة السماوية ، فيترنم قائلا : " كرسيك يا الله إلى دهر الدهور " . وقد وضعت الكنيسة القبطية لحنا مشهورا يسمى " بيك اثرونوس " أى " كرسيك " يستغرق حوالى ثلث ساعة تنطلق فيه النفس لتتأمل فى عرش الملك المصلوب . تترنم به الكنيسة فى أسبوع الآلام ( الثلاثاء ) كما فى الجمعة العظيمة قبل الدفن ... إن أحداث الصلب والدفن فى عينى المؤمن ليست إلا إعلانا عن عرش الملك الأبدى .
ما هى سمات هذا الملكوت المعلن بالصليب ؟
1 - ملكوت إلهى .
2 – ملكوت أبدى .
3 – قضيب ملكه قضيب الأستقامة : فى حكمة تارة يترفق وأخرى يؤدب ، وفى الحالتين يطلب استقامتنا وبرنا ، فهو محب للبر ، لأنه قدوس ومبغض للإثم ، لأنه لا يمكن أن تتفق الظلمة مع النور .
4 – له مسحة الأبتهاج .. مسح بزيت البهجة ، لأنه قبل هذه المسحة بسرور ، كقول الرسول : " من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزى " عب 12 : 2 .
كما قبلها كمسرة أبيه الذى يشهد عن الإبن قائلا : " هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت " مت 3 : 7 ، 17 : 5 ، مر 1 : 11 ، لو 3 : 22 .
بمسحته الفريدة يهبنا نحن أعضاء جسده ، مسحة البهجة فى سر الميرون ، فنحسب ملوكا وكهنة ( رؤ 1 : 6 ) وذبيحة أو تقدمة للرب ! دعى " المسيح " بكونه الممسوح لخلاصنا أزليا ، ونحن ندعى مسيحيين لأننا به نمسح لله وتفرز قلوبنا لحساب ملكوته .
إذ يتحدث المرتل عن المسحة التى بها نكتشف سر الصليب ، يقول :
" مر وميعة وسليخة من ثيابك " [ 8 ] .
كانت ثياب أمراء الشرق ثمينة للغاية ( لو 7 : 25 ) ، أما ثوب السيد المسيح فهو كنيسته ، وهو ذو أريج حلو يبهجه بعمل روحه القدوس . كنيسته طاهرة " بلا دنس ولا غضب " أف 5 : 27 ، تحمل رائحة بره وقداسته ، رائحة المسيح الذكية . ( 2 كو 2 : 15 ) .
المر : هو نوع من الأطياب يستخرج كصمغ ، واستخدم فى صنع المسحة المقدسة ( خر 30 : 23 ) .
الميعة : هى زيت عطرى . والسليخة من شجرة كنوع القرفة ...
يرى القديس يوحنا الذهبى الفم أن المرتل يرى فى الثوب تنوعا ، إشارة إلى أن خلاصنا لا يتحقق بالنعمة وحدها وإنما ثمة حاجة إلى الإيمان وما يلحقه من ممارسة الفضائل . وكان المر والميعة والسليخة تفوح رائحتها بكونها رائحة المسيح الذكية التى نتمتع بها بنعمة الله دون تكاسل أو تهاون من جانبنا .
بعد أن تحدث عن ثياب المسيح التى تفيح رائحته الذكية ، يتعرض لهيكله البهى الناصع البياض الذى تقيمه نفوس المؤمنين بروحه القدوس ، كمقدس له وموضع بهجة !
" من المنازل الشريفة العاج التى منها ابتهجت .
بنات الملوك فى كرامتك " [ 8 ] .
+ الحصون ( المنازل ) تعنى هياكل الله التى بنيت بعد آلام المسيح وبعد أن فاح عطرها فى العالم .
قوله " من العاج " ... لأنه كثير الثمن ومتلألى فى البهاء ويدوم طويلا . هكذا صارت الهياكل المقدسة لامعة بنور نعمة الله ودائمة .
يقال عن نفوس المؤمنين أنها بنات ملك الملوك الذى هو ربنا يسوع المسيح .
الملكة العروس
بدأت تسبحة العرس بالكشف عن شخصية العريس وإمكانياته وأعماله وسمات مملكته وفاعليته ، الآن تقدم لنا العروس الملكة ، ومركزها فى عينى عريسها ، وسمائها ، ودورها الإيجابى .
" قامت الملكة عن يمينك " [ 9 ] .
بقوله " قامت الملكة ... " إشارة إلى أنها فى حالة عرس دائم ، وفرح بلا انقطاع ..
" مشتملة بثوب موشى بالذهب متزينة بأنواع كثيرة " [ 9 ] .
ثوب الكنيسة منسوج بالذهب ، بمعنى آخر ، فى كل أفكارها وتصرفاتها تمارس الحياة السماوية ، والفكر السماوى . أما زينتها المتنوعة فتشير إلى المواهب المتعددة لأعضائها .
العريس يطلب من عروسه تقديس كل حياتها أو تكريس كل قلبها لخدمته ، حاسبا هذا هو جمالها الروحى الذى يشتهيه فيها ، إذ يقول :
" اسمعى يا إبنتى وانظرى وميلى بسمعك .
وانسى شعبك وبيت أبيك ،
فإن الملك اشتهى حسنك ،
لأنه هو ربك " [ 10 ، 11 ] .
يرى القديس يوحنا الذهبى الفم أن الكنيسة قد صارت عروسا للمسيح بعد أن كانت أختا له ، إذ جددها بالمعمودية قبل أن تصير عروسا له .
ولئلا تفهم هذه الألقاب مثل " أخته " و " عروسه " بطريقة مادية أو بقرابة جسدانية أو دموية ، نراه يدعوها هنا " إبنته " .. كيف تكون الأخت والعروس إبنة للعريس ؟ إنه يود أن يكشف عن مدى شوقه للألتصاق بنا فيقدم لنا هذه الألقاب ، فنقبله كل شىء بالنسبة لنا . ففى هذا المزمور يقدم نفسه هكذا :
+ الإله [ 6 ] .. الأبدى الذى يملك على القلب ويحملنا إلى عرشه السماوى .
+ عريسا [ 11 ] .. نتحد به كعروس ، فنحمل بهاءه فينا .
+ سيدا [ 11 ] .. نتعبد له بفرح .
+ أبا روحيا [ 10] .. ونحن ككل ، إبنته المدللة فى عينيه .
الكنيسة المتعبدة لعريسها :
" لأنه هو ربك فأسجدى له " [ 11 ] .
إذ يعكس العريس جماله عليها تصير جميلة جدا جدا وتصلح لمملكة ( حز 16 : 13 ) .. ، فإنها فى اتحادها معه تكتشف بالأكثر مجده ، فتتعبد له فى عذوبة فائقة . ومع كل تعبد تتعرف عليه بالأكثر فيزداد حبها له وخضوعها ، لتبقى على الدوام تسجد له بكل كيانها فى تهليل عجيب !
إنها كعروس متهللة بعريسها لا تعرف كيف ترد له إحساناته غير المحصاة ، فتخضع له وتسجد علامة شكرها الدائم ! ومع كل شكر تفيض نعم الله عليها بالأكثر فيزداد حنينها بالأكثر نحو تقديم الشكر والحمد له ! ... هذه هى سمة الحياة السماوية الفائقة !
العروس الجامعة
تتسم هذه العروس بالجامعية ، فقد انفتح باب الإيمان أمام كل الأمم والشعوب بعد أن ظن اليهود زمانا أن الإيمان بالله قاصر عليهم دون غيرهم ، ويتمتع بهذا الإيمان كل الفئات حتى وجد أباطرة وملوك وأمراء لهم نصيبا فى كنيسة العهد الجديد . ففى دهشة يقول المرتل :
" وله تسجد بنات صور بالهدايا ،
ويتلقون وجهه أغنياء شعب الأرض " [ 12 ] .
سجود صور للعريس وتقديمها هدايا يشيران إلى انجذاب الأمم إليه وتقديم العبادة .
بقوله : " ويتلقون وجهه أغنياء شعب الأرض " [ 12 ] يرى المرتل أن المؤمنين بالسيد المسيح هم الأغنياء فى الإيمان ، الذين صاروا به ملوكا وكهنة ( رؤ 2 : 1 ) ، أغنياء فى عينى الله الذى يتقبلهم أبناء له بروحه القدوس فى مياة المعمودية .
مجد العروس
نزل العريس السماوى إلى أرضنا لكى يبسط ذراعيه على الصليب فيضم المؤمنين من كل الأمم إلى أحضانه كعروس سماوية تحمل بهاءه فى داخلها ، تطلب المجد الخفى لا المظاهر الخارجية .
يحدثنا المرتل عن مجد العروس هكذا :
1 – مجد داخلى :
" كل مجد إبنة الملك من داخل " [ 13 ] .
إذ تدخل العروس إلى حجال عريسها الملك تصير له كل شىء : عروسا وإبنة وخادمة وصديقة الخ .... تمجده بحياتها حتى بأفكارها الخفية فيمجدها هو أيضا .
يناجى العريس السماوى عروسه الممجدة فى الداخل ، قائلا : " أختى العروس جنة مغلقة ، عين مقفلة ، ينبوع مختوم " نش 4 : 12 . كأنه يقول لها أذكرى إمكانياتى فيك ، فإننى أنا سر مجدك ، جعلتك جنة وعينا وينبوعا ، غرست فيك بروحى القدوس أشجارا متنوعة ، وفجرت فيك ينبوع ماء حياة ، وصرت لك سورا من كل جانب حتى لا يتسلل إليك لص أو وحش مفترس .
2 – مجد سماوى :
" مشتملة بأطراف موشاة بالذهب " [ 13 ] .
فى العهد القديم كان بهدب رداء الكاهن رمانات من نسيج ذات ألوان بديعة يتخللها أجراس ذهبية ، يرى العلامة أوريجانوس أن [ هذه الأجراس يلزم أن تدق على الدوام رمزا لعدم سكوت الكاهن عن التحدث عن الأزمنة الأخيرة ونهاية العالم ] .. هكذا تحمل الكنيسة فى عبادتها وسلوكها وعقائدها الطابع الأخروى السماوى ( الذهب ) ، حتى أطراف ثوبها سماوية .
3 – مجدها فى تنوع مواهبها :
" متزينة بأشكال كثيرة " [ 13 ] .
4 – مجدها فى كرازتها وشهادتها لعريسها .
" يدخلن إلى الملك عذارى فى أثرها .
جميع قريباتها إليه يقدمن " [ 14 ]
إذ تنجذب النفس إلى عريسها تسحب معها قلوب كثيرة بشهادتها له ، تأتى بكثيرين كعذارى .
5 – كنيسة متهللة :
" يبلغن بفرح وابتهاج ،
يدخلن إلى هيكل الملك " [ 15 ] .
تفرح كل نفس بعريسها وتتهلل من أجل غنى أعماله ومحبته الفائقة لها . أما سر فرحها فهو دخولها إلى هيكل الرب السماوى .
يرى القديس باسيليوس الكبير أن الحديث هنا عن الكنيسة الواحدة التى تجتذب الكثيرين من فساد معتقداتهم لتهبهم روح الفرح الحقيقى وتدخل بهم إلى الممالك السماوية .
6 – كنيسة مكرمة :
" ويكون لك أبناء عوضا من آبائك .
تقيمهم رؤساء على سائر الأرض " [ 16 ] .
لقد مات الآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب ، وأقام الله من أبنائها ( الرسل ) رؤساء وملوكا روحيين فى كل أقطار المسكونة ، لهم سلطان روحى أن يحلوا ويربطوا حسب انجيل المسيح .
7 – كنيسة مسبحة تمجد اسم الله :
" ويذكرون اسمك فى كل جيل وجيل ،
من أجل ذلك تعترف لك الشعوب يا الله
إلى الدهر وإلى دهر الدهور " [ 17 ] .
إنها تجتذب المؤمنين من كل الشعوب ليسبحوا الله ويعترفوا بعمله الخلاصى العجيب .
+ + +